الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ***
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَمَنْ قَذَفَ مُحْصَنًا فَعَلَيْهِ جَلْدُ ثَمَانِينَ جَلْدَةً إنْ كان الْقَاذِفُ حُرًّا وَأَرْبَعِينَ إنْ كان عَبْدًا أَنَّ هذا الْحُكْمَ جَارٍ وَلَوْ عَتَقَ قبل الْحَدِّ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَلَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا.
تنبيه: ثَانٍ يُشْتَرَطُ في صِحَّةِ قَذْفِ الْقَاذِفِ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا وهو الْعَاقِلُ الْبَالِغُ فَلَا حَدَّ على مَجْنُونٍ وَلَا مُبَرْسَمٍ وَلَا نَائِمٍ وَلَا صَبِيٍّ وَتَقَدَّمَ حُكْمُ قَذْفِ السَّكْرَانِ في أَوَّلِ كِتَابِ الطَّلَاقِ وَيَصِحُّ قَذْفُ الْأَخْرَسِ إذَا فُهِمَتْ إشَارَتُهُ جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ وفي اللِّعَانِ ما يَدُلُّ على ذلك.
فائدة: لو كان الْقَاذِفُ مُعْتَقًا بَعْضُهُ حُدَّ بِحِسَابِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ هو كَعَبْدٍ قال الزَّرْكَشِيُّ لو قِيلَ بِالْعَكْسِ لَاتُّجِهَ يَعْنِي أَنَّهُ كَالْحُرِّ انتهى. قُلْت وهو ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ. قَوْلُهُ: وَهَلْ حَدُّ الْقَذْفِ حَقٌّ لِلَّهِ أو لِلْآدَمِيِّ على رِوَايَتَيْنِ) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ من جُمْلَةِ ما زِيدَ في الْكِتَابِ إحْدَاهُمَا: هو حَقٌّ لِلْآدَمِيِّ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَغَيْرِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ هو الْمَنْصُوصُ الْمُخْتَارُ لِلْأصحاب وقال هو مُقْتَضَى ما جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ وهو الصَّوَابُ انتهى. الثَّانِيَةُ: هو حَقٌّ لِلَّهِ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَسْقُطُ الْحَدُّ بِعَفْوِهِ عنه بَعْدَ طَلَبِهِ وقال الْقَاضِي وَأصحابهُ يَسْقُطُ بِعَفْوِهِ عنه لَا عن بَعْضِهِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ لَا يَسْقُطُ وَعَلَيْهِمَا لَا يُحَدُّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْرَضَ له إلَّا بِطَلَبٍ وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ إجْمَاعًا قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ على الثَّانِيَةِ وَبِدُونِهِ وَلَوْ قال اقْذِفْنِي فَقَذَفَهُ عُزِّرَ على الْمَذْهَبِ وَيُحَدُّ على الثَّانِيَةِ وَصَحَّحَ في التَّرْغِيبِ وَعَلَى الْأُولَةِ أَيْضًا وَيَأْتِي ذلك في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.
فائدة: ليس لِلْمَقْذُوفِ اسْتِيفَاؤُهُ بِنَفْسِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَذَكَرَهُ ابن عقِيلٍ إجْمَاعًا وَأَنَّهُ لو فَعَلَ لم يُعْتَدَّ بِهِ وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْإِمَامِ أَنَّهُ حَدٌّ وقال أبو الْخَطَّابِ له اسْتِيفَاؤُهُ بِنَفْسِهِ وقال في الْبُلْغَةِ لَا يَسْتَوْفِيهِ بِدُونِ الْإِمَامِ فَإِنْ فَعَلَ فَوَجْهَانِ وقال هذا في الْقَذْفِ الصَّرِيحِ وَأَنَّ غَيْرَهُ يَبْرَأُ بِهِ سِرًّا على خِلَافٍ في الْمَذْهَبِ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ على الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَسْتَوْفِيهِ إلَّا الْإِمَامُ وَتَقَدَّمَ في كِتَابِ الْحُدُودِ هل يستوفى حَدَّ الزنى من نَفْسِهِ. قَوْلُهُ: وَقَذْفُ غَيْرِ الْمُحْصَنِ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَعَنْهُ يُحَدُّ قَاذِفُ أُمِّ الْوَلَدِ كَالْمُلَاعَنَةِ وَعَنْهُ يُحَدُّ قَاذِفُ أَمَةٍ أو ذِمِّيَّةٍ لها وَلَدٌ أو زَوْجٌ مُسْلِمَانِ وقال ابن عَقِيلٍ إنْ قَذَفَ كَافِرًا لَا وَلَدَ له مُسْلِمٌ لم يُحَدَّ على الْأَصَحِّ
فائدتان: إحْدَاهُمَا: لَا يُحَدُّ وَالِدٌ لِوَلَدِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَالَهُ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِه ابن الْبَنَّا وَالْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّارِحِ وَنَصَرَاهُ وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَنَصَّ عليه في الْوَلَدِ في رِوَايَةِ ابن منصور وَأَبِي طَالِبٍ وقال في التَّرْغِيبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمْ لَا يُحَدُّ أَبٌ وفي أُمٍّ وَجْهَانِ انْتَهَوْا وَالْجَدُّ وَالْجَدَّةُ وَإِنْ عَلَوَا كَالْأَبَوَيْنِ ذَكَرَه ابن الْبَنَّا وَيُحَدُّ الِابْنُ بِقَذْفِ كل وَاحِدٍ منهم على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يُحَدُّ بِقَذْفِهِ أَبَاهُ أو أَخَاهُ. الثَّانِيَةُ: يُحَدُّ بِقَذْفٍ على وَجْهِ الْغَيْرَةِ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال في الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ لَا يُحَدُّ وِفَاقًا لِمَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَنَّهَا عُذْرٌ في غَيْبَةٍ وَنَحْوِهَا وَتَقَدَّمَ كَلَامُ ابن عقِيلٍ وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. قَوْلُهُ: وَالْمُحْصَنُ هو الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْعَاقِلُ الْعَفِيفُ الذي يُجَامِعُ مِثْلُهُ زَادَ في الرِّعَايَةِ وَالْوَجِيزِ الْمُلْتَزِمُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وقال في الْمُبْهِجِ لَا مُبْتَدِعٌ وقال في الْإِيضَاحِ لَا مُبْتَدِعٌ وَلَا فَاسِقٌ ظَهَرَ فِسْقُهُ وقال في الِانْتِصَارِ لَا يُحَدُّ بِقَذْفِ فَاسِقٍ.
تَنْبِيهَاتٌ: أَحَدُهَا: مَفْهُومُ قَوْلِهِ الْمُحْصَنُ هو الْحُرُّ الْمُسْلِمُ أَنَّ الرَّقِيقَ وَالْكَافِرَ غَيْرُ مُحْصَنٍ فَلَا يُحَدُّ بِقَذْفِهِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأصحاب وقال ابن عَقِيلٍ في عُمَدِ الْأَدِلَّةِ عِنْدِي يُحَدُّ بِقَذْفِ الْعَبْدِ وهو أَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ لِعَدَالَتِهِ فَهُوَ أَحْسَنُ حَالًا من الْفَاسِقِ بِغَيْرِ الزنى انتهى. وَعَنْهُ يُحَدُّ بِقَذْفِ أُمِّ الْوَلَدِ قَطَعَ بِهِ الشِّيرَازِيُّ وَعَنْهُ يُحَدُّ بِقَذْفِ أَمَةٍ وَذِمِّيَّةٍ لها وَلَدٌ أو زَوْجٌ مُسْلِمٌ كما تَقَدَّمَ قَرِيبًا وَقِيلَ يُحَدُّ الْعَبْدُ بِقَذْفِ الْعَبْدِ وَلَا عَمَلَ عليه فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُعَزَّرُ الْقَاذِفُ على الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا وَعَنْهُ لَا يُعَزَّرُ لِقَذْفِ كَافِرٍ الثَّانِي شَمِلَ كَلَامُهُ الْخَصِيَّ وَالْمَجْبُوبَ وهو صَحِيحٌ وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها الثَّالِثُ مُرَادُهُ بِالْعَفِيفِ هُنَا الْعَفِيفُ عن الزنى ظَاهِرًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: وَقَاذِفُ الْمُحْصَنِ فِيمَا يَبْدُو *** وَإِنْ زَنَى فَقَاذِفٌ يُحَدُّ وَقِيلَ هو الْعَفِيفُ عن الزنى وَوَطْءٍ لَا يُحَدُّ بِهِ لِمِلْكٍ أو شُبْهَةٍ وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ وقال وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ على أَنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ هل يُوصَفُ بِالتَّحْرِيمِ أَمْ لَا قُلْت تَقَدَّمَ الْخِلَافُ في ذلك في بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ في النِّكَاحِ وَقِيلَ يَجِبُ الْبَحْثُ عن بَاطِنِ عِفَّةٍ.
فائدة: لَا يَخْتَلُّ إحْصَانُهُ بِوَطْئِهِ في حَيْضٍ وَصَوْمٍ وَإِحْرَامٍ قَالَهُ في التَّرْغِيبِ. قَوْلُهُ: وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْبُلُوغُ على رِوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَشَرْحِ ابن منجا وَالزَّرْكَشِيُّ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ إحْدَاهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ بَلْ يَكُونُ مِثْلُهُ يَطَأُ أو يُوطَأُ وهو الْمَذْهَبُ قال أبو بَكْرٍ لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُ أبي عبد اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُحَدُّ قَاذِفُهُ إذَا كان ابن عشْرَةٍ أو اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً قال في التَّرْغِيبِ هذه أَشْهَرُهُمَا قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ أَشْهَرُهُمَا يَجِبُ الْحَدُّ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وَالْقَاضِي وَالشَّرِيفُ وأبو الْخَطَّابِ في خِلَافَاتِهِمْ وَالشِّيرَازِيُّ وابن البنا [البناء] وابن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وهو مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَقَدَّمَهُ في الْهَادِي وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَةُ. الثَّانِيَةُ: يُشْتَرَطُ الْبُلُوغُ قال في الْعُمْدَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الآدمي وَنِهَايَةِ ابن رزين وَالْمُحْصَنُ هو الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْبَالِغُ الْعَفِيفُ وَقِيلَ إنَّ هذه الرِّوَايَةَ مُخَرَّجَةٌ لَا مَنْصُوصَةٌ فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يُقَامُ الْحَدُّ على الْقَاذِفِ حتى يَبْلُغَ الْمَقْذُوفُ وَيُطَالِبَ بِهِ بَعْدَهُ وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْغُلَامُ ابن عشْرٍ وَالْجَارِيَةُ بِنْتَ تِسْعٍ كما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذلك وَقَالَهُ الْأصحاب.
فائدة: لو قَذَفَ عَاقِلًا فَجُنَّ أو أُغْمِيَ عليه قبل الطَّلَبِ لم يُقَمْ عليه الْحَدُّ حتى يُفِيقَ وَيُطَالِبَ فَإِنْ كان قد طَالَبَ ثُمَّ جُنَّ أو أُغْمِيَ عليه جَازَتْ إقَامَتُهُ وَلَوْ قَذَفَ غَائِبًا اُعْتُبِرَ قُدُومُهُ وَطَلَبُهُ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّهُ طَالَبَ بِهِ في غَيْبَتِهِ فَيُقَامُ على الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يُقَامُ لِاحْتِمَالِ عَفْوِهِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ: وَإِنْ قال زَنَيْتِ وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ وَفَسَّرَهُ بِصِغَرٍ عن تِسْعِ سِنِينَ لم يُحَدَّ وَلَكِنْ يُعَزَّرُ زَادَ الْمُصَنِّفُ إذَا رَآهُ الْإِمَامُ وَأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى طَلَبٍ لِأَنَّهُ لِتَأْدِيبِهِ.
فائدة: لو أَنْكَرَ الْمَقْذُوفُ الصِّغَرَ حَالَ الْقَذْفِ فقال الْقَاضِي يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَاذِفِ فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ وَكَانَتَا مُطْلَقَتَيْنِ أو مُؤَرَّخَتَيْنِ تَارِيخَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَهُمَا قَذْفَانِ مُوجَبُ أَحَدِهِمَا التَّعْزِيرُ وَالْآخَرُ الْحَدُّ وَإِنْ بَيَّنَا تَارِيخًا وَاحِدًا وَقَالَتْ إحْدَاهُمَا: وهو صَغِيرٌ وَقَالَتْ الْأُخْرَى وهو كَبِيرٌ تَعَارَضَتَا وَسَقَطَتَا وَكَذَلِكَ لو كان تَارِيخُ بَيِّنَةِ الْمَقْذُوفِ قبل تَارِيخِ بَيِّنَةِ الْقَاذِفِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا. قَوْلُهُ: وَإِلَّا خُرِّجَ على الرِّوَايَتَيْنِ يَعْنِي الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ في اشْتِرَاطِ الْبُلُوغِ وَعَدَمِهِ. قَوْلُهُ: وَإِنْ قال لِحُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ زَنَيْت وَأَنْتِ نَصْرَانِيَّةٌ أو أَمَةٌ ولم تَكُنْ كَذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ لم يَثْبُتْ وَأَمْكَنَ فَرِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ إحْدَاهُمَا: يُحَدُّ وهو الصَّحِيحُ قال في الرِّعَايَتَيْنِ حُدَّ على الْأَصَحِّ وَقَدَّمَهُ في الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّوَايَةُ. الثَّانِيَةُ: لَا يُحَدُّ.
تنبيه: مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَإِنْ لم يَثْبُتْ وَأَمْكَنَ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ لَا يُحَدُّ وهو صَحِيحٌ قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَإِنْ لم يَثْبُتَا لم يُحَدَّ على الْأَصَحِّ وَكَذَا قال في الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ يُحَدُّ.
فوائد: إحْدَاهَا وَكَذَا الْحُكْمُ لو قَذَفَ مَجْهُولَةَ النَّسَبِ وَادَّعَى رِقَّهَا وَأَنْكَرَتْهُ وَلَا بَيِّنَةَ خِلَافًا وَمَذْهَبًا قَالَهُ الْمَجْدُ وَالنَّاظِمُ وابن حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هُنَا أَنَّهُ يُحَدُّ وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْحَاوِي وهو الْمَذْهَبُ وَاخْتَارَ أبو بَكْرٍ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ. الثَّانِيَةُ: لو قال زَنَيْت وَأَنْتِ مُشْرِكَةٌ فقالت أَرَدْت قَذْفِي بالزنى وَالشِّرْكِ مَعًا فقال بَلْ أَرَدْت قَذْفَك بالزنى إذْ كُنْت مُشْرِكَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاذِفِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَنَصُّهُمَا وَعَنْهُ يُحَدُّ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الشَّرْحِ وَالنَّظْمِ. الثَّالِثَةُ: لو قال لها يا زَانِيَةُ ثُمَّ ثَبَتَ زِنَاهَا في حَالِ كُفْرِهَا لم تُحَدَّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كَثُبُوتِهِ في إسْلَامٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال في الْمُبْهِجِ إنْ قَذَفَهُ بِمَا أتى في الْكُفْرِ حُدَّ لِحُرْمَةِ الْإِسْلَامِ وَسَأَلَه ابن مَنْصُورٍ رَجُلٌ رَمَى امْرَأَةً بِمَا فَعَلَتْ في الْجَاهِلِيَّةِ قال يُحَدُّ. قَوْلُهُ: وَإِنْ كانت كَذَلِكَ وَقَالَتْ أَرَدْتَ قَذْفِي في الْحَالِ فَأَنْكَرَهَا فَعَلَى وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَالْمُسْتَوْعِبِ أَحَدُهُمَا لَا يُحَدُّ اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وابن الْبَنَّاءِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُحَدُّ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ قال في الْمُسْتَوْعِبِ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وقال في الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُ إنْ أَضَافَهُ إلَى جُنُونٍ وقال في التَّرْغِيبِ إنْ كان مِمَّنْ يُجَنُّ لم يُحَدُّ بِقَذْفِهِ وقال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ إنْ ادَّعَى أَنَّهُ كان مَجْنُونًا حين قَذَفَهُ فَأَنْكَرَ وَعُرِفَ له حَالَةُ جُنُونٍ وَإِفَاقَةٍ فَوَجْهَانِ.
فائدة: لو قَذَفَ بن الْمُلَاعَنَةِ حُدَّ نَصَّ عليه وَكَذَا لو قَذَفَ الْمُلَاعَنَةَ نَفْسَهَا وَوَلَدَ الزنى قَالَهُ الْأصحاب. قَوْلُهُ: وَمَنْ قَذَفَ مُحْصَنًا فَزَالَ إحْصَانُهُ قبل إقَامَةِ الْحَدِّ لم يَسْقُطْ الْحَدُّ عن الْقَاذِفِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأصحاب وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ حَكَمَ حَاكِمٌ بِوُجُوبِهِ أو لَا قَالَهُ الْأصحاب وهو من الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: وَالْقَذْفُ مُحَرَّمٌ إلَّا في مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَرَى امْرَأَتَهُ تَزْنِي في طُهْرٍ لم يُصِبْهَا فيه زَادَ في التَّرْغِيبِ وَلَوْ دُونَ الْفَرْجِ وقال في الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ أو تُقِرُّ بِهِ فَيُصَدِّقُهَا. قَوْلُهُ: فَيَعْتَزِلُهَا وَتَأْتِي بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ من الزَّانِي فَيَجِبُ عليه قَذْفُهَا وَنَفْيُ وَلَدِهَا بِلَا نِزَاعٍ وقال في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَكَذَا لو وَطِئَهَا في طُهْرٍ زَنَتْ فيه وَظَنَّ الْوَلَدَ من الزَّانِي وقال في التَّرْغِيبِ نَفْيُهُ مُحَرَّمٌ مع التَّرَدُّدِ فَإِنْ تَرَجَّحَ النَّفْيُ بِأَنْ اسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ فَوَجْهَانِ وَاخْتَارَ جَوَازَهُ مع أَمَارَةِ الزنى وَلَا وُجُوبَ وَلَوْ رَآهَا تَزْنِي وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ من الزنى [الزاني] حَرُمَ نَفْيُهُ وَلَوْ نَفَاهُ وَلَاعَنَ انْتَفَيَا. قَوْلُهُ: وَالثَّانِي أَنْ لَا تَأْتِيَ بِوَلَدٍ يَجِبُ نَفْيُهُ يَعْنِي يَرَاهَا تَزْنِي وَلَا تَأْتِي بِوَلَدٍ يَجِبُ نَفْيُهُ أو اسْتَفَاضَ زِنَاهَا في الناس أو أخبره بِهِ ثِقَةٌ أو رَأَى رَجُلًا يُعْرَفُ بِالْفُجُورِ يَدْخُلُ إلَيْهَا زَادَ في التَّرْغِيبِ فقال يَدْخُلُ إلَيْهَا خَلْوَةً وَاعْتُبِرَ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ هُنَا اسْتِفَاضَةُ زِنَاهَا وَقَدَّمَا أَنَّهُ لَا يَكْفِي اسْتِفَاضَةٌ بِلَا قَرِينَةٍ وَقَوْلُهُ فَيُبَاحُ قَذْفُهَا وَلَا يَجِبُ قال الْأصحاب فِرَاقُهَا أَوْلَى من قَذْفِهَا وَاخْتَارَ أبو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ أَنَّ الْقَذْفَ الْمُبَاحَ أَنْ يَرَاهَا تَزْنِي أو يَظُنَّهُ وَلَا وَلَدَ وَتَقَدَّمَ في أَوَّلِ كِتَابِ الطَّلَاقِ من يُسْتَحَبُّ طَلَاقُهَا وَمَنْ يُكْرَهُ وَمَنْ يُبَاحُ. قَوْلُهُ: وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ يُخَالِفُ لَوْنُهُ لَوْنَهُمَا لم يُبَحْ نَفْيُهُ بِذَلِكَ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأصحاب وقال أبو الْخَطَّابِ ظَاهِرُ كَلَامِهِ إبَاحَتُهُ.
تنبيه: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لم يَكُنْ ثَمَّ قَرِينَةٌ فَإِنْ كان ثَمَّ قَرِينَةٌ فإنه يُبَاحُ نَفْيُهُ. قَوْلُهُ: فَصْلٌ وَأَلْفَاظُ الْقَذْفِ تَنْقَسِمُ إلَى صَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ فَالصَّرِيحُ. قَوْلُهُ: يا زَانِي يا عَاهِرُ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأصحاب وَلَا يُقْبَلُ. قَوْلُهُ: أَرَدْت يا زَانِيَ الْعَيْنِ وَلَا يا عَاهِرَ الْيَدِ وقال في التَّبْصِرَةِ لم يُقْبَلْ مع سَبْقِهِ ما يَدُلُّ على قَذْفٍ صَرِيحٍ وَإِلَّا قُبِلَ. قَوْلُهُ: * وَإِنْ قال يا لُوطِيُّ أو يا مَعْفُوجُ فَهُوَ صَرِيحٌ إذَا قال له يا لُوطِيُّ فَهُوَ صَرِيحٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأصحاب قال في الْفُرُوعِ نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قال الزَّرْكَشِيُّ عليه عَامَّةُ الْأصحاب وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَعَنْهُ صَرِيحٌ مع الْغَضَبِ وَنَحْوِهِ دُونَ غَيْرِهِ وقال الْخِرَقِيُّ إذَا قال أَرَدْت أَنَّك من قَوْمِ لُوطٍ فَلَا حَدَّ عليه قال الْمُصَنِّفُ وهو بَعِيدٌ قال في الْهِدَايَةِ إذَا قال أَرَدْت أَنَّك من قَوْمِ لُوطٍ هذا لَا يُعْرَفُ انتهى. وَكَذَا لو قال نَوَيْت أَنَّ دِينَهُ دِينُ قَوْمِ لُوطٍ وهو رِوَايَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا قال يا مَعْفُوجُ فَهُوَ صَرِيحٌ أَيْضًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأصحاب قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ يُحَدُّ بِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ إنَّهُ كِنَايَةٌ ويحتمله [ويحتمل] كَلَامَ الْخِرَقِيِّ وَعَلَيْهِ جَرَى الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ. قَوْلُهُ: وَإِنْ قال أَرَدْت أَنَّك تَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ غير إتْيَانِ الرِّجَالِ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ بِنَاءً على الرِّوَايَتَيْنِ الْمَنْصُوصَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ قبل ذلك فَإِنْ قُلْنَا هو هُنَاكَ صَرِيحٌ لم يُقْبَلْ. قَوْلُهُ: في تَفْسِيرِهِ هُنَا وَإِلَّا قُبِلَ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَقِيلَ الْوَجْهَانِ على غَيْرِ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ أَمَّا على قَوْلِ الْخِرَقِيِّ فَيُقْبَلُ منه بِطَرِيقٍ أَوْلَى قال الزَّرْكَشِيُّ هذا هو التَّحْقِيقُ تَبَعًا لِأَبِي الْبَرَكَاتِ يَعْنِي الْمَجْدَ في الْمُحَرَّرِ.
فائدة: وَمِنْ الْأَلْفَاظِ الصَّرِيحَةِ. قَوْلُهُ: يا مَنْيُوكُ أو يا مَنْيُوكَةُ لَكِنْ لو فَسَّرَ قَوْلَهُ يا مَنْيُوكَةُ بِفِعْلِ الزَّوْجِ لم يَكُنْ قَذْفًا ذَكَرَهُ في التَّبْصِرَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ قُلْت لو قِيلَ إنَّهُ قَذْفٌ بِقَرِينَةِ غَضَبٍ وَخُصُومَةٍ وَنَحْوِهِمَا لَكَانَ مُتَّجَهًا. قَوْلُهُ: وَإِنْ قال لَسْت بِوَلَدِ فُلَانٍ فَقَدْ قَذَفَ أُمَّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَنْفِيًّا بِلِعَانٍ لم يَسْتَلْحِقْهُ أَبُوهُ ولم يُفَسِّرْهُ بِزِنَى أُمِّهِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَقِيلَ ليس بِقَذْفٍ لِأُمِّهِ
فائدتان: إحْدَاهُمَا: وَكَذَا الْحَكَمُ خِلَافًا وَمَذْهَبًا لو نَفَاهُ من قَبِيلَتِهِ وقال الْمُصَنِّفُ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِنَفْيِ الرَّجُلِ عن قَبِيلَتِهِ. الثَّانِيَةُ: لو قَذَفَ بن الْمُلَاعَنَةِ حُدَّ نَصَّ عليه وَتَقَدَّمَ ذلك قَرِيبًا. قَوْلُهُ: وَإِنْ قال لَسْت بِوَلَدِي فَعَلَى وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ أَحَدُهُمَا ليس بِقَذْفٍ إذَا فَسَّرَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ فَيَكُونُ كِنَايَةً وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَغَيْرِهِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي هو قَذْفٌ بِكُلِّ حَالٍ فَيَكُونُ صَرِيحًا. قَوْلُهُ: وَإِنْ قال أَنْت أَزَنَى الناس أو أَزَنَى من فُلَانَةَ أو قال لِرَجُلٍ يا زَانِيَةُ أو لِامْرَأَةٍ يا زَانِي أو قال زَنَتْ يَدَاك أو رِجْلَاك فَهُوَ صَرِيحٌ في الْقَذْفِ في قَوْلِ أبي بَكْرٍ إذَا قال أَنْت أَزَنَى الناس أو من فُلَانَةَ أو قال له يا زَانِيَةُ أو لها يا زَانِي فَهُوَ صَرِيحٌ في الْقَذْفِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ عِنْدَ ابن حامد فَعَلَى الْأَوَّلِ في قَذْفِ فُلَانَةَ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ أَحَدُهُمَا ليس بِقَاذِفٍ لها قَدَّمَهُ في الْكَافِي قال في الرِّعَايَةِ وهو أَقْيَسُ وَالثَّانِي هو قَذْفٌ أَيْضًا لها قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وإذا قال زَنَتْ يَدَاك أو رِجْلَاك فَهُوَ صَرِيحٌ في الْقَذْفِ في قَوْلِ أبي بَكْرٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ عِنْدَ ابن حامد وهو الْمَذْهَبُ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَاهُ قال في الْخُلَاصَةِ لم يَكُنْ قَذْفًا في الْأَصَحِّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَبَنَاهُمَا على أَنَّ قَوْلَهُ لِلرَّجُلِ يا زَانِيَةُ وَلِلْمَرْأَةِ يا زَانِي صَرِيحٌ.
فائدة: وَكَذَا الْحَكَمُ لو قال زَنَتْ يَدُك أو رِجْلُك وَكَذَا. قَوْلُهُ: زَنَى بَدَنُك قَالَهُ في الرِّعَايَةِ وَكَذَا. قَوْلُهُ: زَنَتْ عَيْنُك قَالَهُ في التَّرْغِيبِ وقال في الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ لَا شَيْءَ عليه بِقَوْلِهِ زَنَتْ عَيْنُك وهو صَحِيحٌ من الْمَذْهَبِ وَالصَّوَابِ. قَوْلُهُ: وَإِنْ قال زَنَأْت في الْجَبَلِ مَهْمُوزًا فَهُوَ صَرِيحٌ عِنْدَ أبي بَكْرٍ وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال ابن حَامِدٍ إنْ كان يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ لم يَكُنْ صَرِيحًا وَيُقْبَلُ منه. قَوْلُهُ: أَرَدْت صُعُودَ الْجَبَلِ قال في الْهِدَايَةِ وهو قِيَاسُ قَوْلِ إمَامِنَا إذَا قال لِزَوْجَتِهِ بهشتم إنْ كان لَا يَعْرِفُ أَنَّهُ طَلَاقٌ لم يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ. قَوْلُهُ: وَإِنْ لم يَقُلْ في الْجَبَلِ فَهَلْ هو صَرِيحٌ أو كَاَلَّتِي قَبْلَهَا على وَجْهَيْنِ يَعْنِي على قَوْل ابن حَامِدٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ أَحَدُهُمَا هو صَرِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي حُكْمُهَا حُكْمُ التي قَبْلَهَا وَقِيلَ لَا قَذْفَ هُنَا قال في الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ مِثْلَهَا لَفْظَةُ عِلْقٍ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ صَرِيحَةً وَمَعْنَاهُ قَوْل ابن رَزِينٍ كُلُّ ما يَدُلُّ عليه عُرْفًا. قَوْلُهُ: وَالْكِنَايَةُ نَحْوُ قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ قد فَضَحْتِيهِ وَغَطَّيْت أو نَكَّسْت رَأْسَهُ وَجَعَلْت له قُرُونًا أو عَلَّقْت عليه أَوْلَادًا من غَيْرِهِ وَأَفْسَدْت فِرَاشَهُ أو يقول لِمَنْ يُخَاصِمُهُ يا حَلَال ابن الْحَلَالِ ما يَعْرِفُك الناس بالزنى يا عَفِيفُ أو يا فَاجِرَةُ يا قَحْبَةُ يا خَبِيثَةُ وَكَذَا. قَوْلُهُ: يا نَظِيفُ يا خَنِيثُ بِالنُّونِ وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ بِالْبَاءِ ذَكَرَهُ في الْفُرُوعِ أو يقول لِعَرَبِيٍّ يا نَبَطِيُّ يا فَارِسِيُّ يا رُومِيُّ أو يقول لِأَحَدِهِمْ يا عَرَبِيُّ أو ما أنا بِزَانٍ أو ما أُمِّي بِزَانِيَةٍ أو يَسْمَعُ رَجُلًا يَقْذِفُ رَجُلًا فيقول صَدَقْت أو أخبرني فُلَانٌ أَنَّك زَنَيْت أو أَشْهَدَنِي فُلَانٌ أَنَّك زَنَيْت وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ فَهَذَا كِنَايَةٌ إنْ فَسَّرَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ غَيْرُ الْقَذْفِ قُبِلَ. قَوْلُهُ: في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَهُمَا رِوَايَتَانِ وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالتَّصْحِيحِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَعَنْهُ يُقْبَلُ. قَوْلُهُ: بِقَرِينَةٍ ظَاهِرَةٍ وفي الْآخَرِ جَمِيعُهُ صَرِيحٌ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ من أصحابهِ وَذَكَرَهُ في التَّبْصِرَةِ عن الْخِرَقِيِّ وأطلقهما في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَعَنْهُ لَا يُحَدُّ إلَّا بِنِيَّتِهِ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ وَذَكَرَ في الِانْتِصَارِ رِوَايَةً أَنَّهُ لَا يُحَدُّ إلَّا بِالصَّرِيحِ وَاخْتَارَ ابن عقِيلٍ أَنَّ أَلْفَاظَ الْكِنَايَاتِ مع دَلَالَةِ الْحَالِ صَرَائِحُ.
فوائد: الْأُولَى: وَكَذَا الْحُكْمُ وَالْخِلَافُ لو سمع رَجُلًا يَقْذِفُ فقال صَدَقْت كما تَقَدَّمَ لَكِنْ لو زَادَ على ذلك فقال صَدَقْت فِيمَا قُلْت فَقِيلَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَوَّلِ قَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَقِيلَ يُحَدُّ بِكُلِّ حَالٍ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ: الْقَرِينَةُ هُنَا كَكِنَايَةِ الطَّلَاقِ قال في الْفُرُوعِ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ وقال في التَّرْغِيبِ هو قَذْفٌ بِنِيَّةٍ وَلَا يَحْلِفُ مُنْكِرُهَا وفي قِيَامِ قَرِينَةٍ مَقَامَ النِّيَّةِ ما تَقَدَّمَ فَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ بَاطِنًا بِالنِّيَّةِ وفي لُزُومِ إظْهَارِهَا وَجْهَانِ وَأَنَّ على الْقَوْلِ بِأَنَّهُ صَرِيحٌ يُقْبَلُ تَأْوِيلُهُ وقال في الِانْتِصَارِ لو قال أَحَدُكُمَا زَانٍ فقال أَحَدُهُمَا أنا فقال لَا أنه قَذْفٌ لِلْآخَرِ وَذَكَرَهُ في الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا. الثَّالِثَةُ: لو قال لِامْرَأَتِهِ في غَضَبٍ اعتدى وَظَهَرَتْ منه قَرَائِنُ تَدُلُّ على إرَادَتِهِ التَّعْرِيضَ بِالْقَذْفِ أو فَسَّرَهُ بِهِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَهَلْ يُحَدُّ ذَكَرَ ابن عقِيلٍ في الْمُفْرَدَاتِ وَجْهَيْنِ وَجَزَمَ في عُمَدِ الْأَدِلَّةِ أَنَّهُ يُحَدُّ ذَكَرَهُ في الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةَ عَشْرَ. الرَّابِعَةُ: حَيْثُ قُلْنَا لَا يُحَدُّ بِالتَّعْرِيضِ فإنه يُعَزَّرُ نَقَلَهُ حَنْبَلٌ وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ منهم أبو الْخَطَّابِ وأبو يَعْلَى الْخَامِسَةُ يُعَزَّرُ بِقَوْلِهِ يا كَافِرُ يا فَاجِرُ يا حِمَارُ يا تَيْسُ يا رَافِضِيُّ يا خَبِيثَ الْبَطْنِ أو الْفَرْجِ يا عَدُوَّ اللَّهِ يا ظَالِمُ يا كَذَّابُ يا خَائِنُ يا شَارِبَ الْخَمْرِ يا مُخَنَّثُ نَصَّ على ذلك وَقِيلَ يا فَاسِقُ كِنَايَةٌ ويا مُخَنَّثُ تَعْرِيضٌ وَيُعَزَّرُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ يا قَرْنَانُ يا قَوَّادُ وَنَحْوَهَا وَسَأَلَهُ حَرْبٌ عن دَيُّوثٍ فقال يُعَزَّرُ قُلْت هذا عِنْدَ الناس أَقْبَحُ من الْفِرْيَةِ فَسَكَتَ وقال في الْمُبْهِجِ يا دَيُّوثُ قَذْفٌ لِامْرَأَتِهِ قال إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ الدَّيُّوثُ هو الذي يُدْخِلُ الرِّجَالَ على امْرَأَتِهِ وَمِثْلُهُ كَشْحَانِ وقرطبان قال في الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ في مَأْبُونٍ كَمُخَنَّثٍ وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ إن قَوْلَهُ يا عِلْقُ تَعْرِيضٌ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ قال إنَّهَا صَرِيحَةٌ وقال في الرِّعَايَةِ. قَوْلُهُ: لم أَجِدْك عَذْرَاءَ كِنَايَةٌ.
تنبيه: قَوْلُهُ وَإِنْ قَذَفَ أَهْلَ بلده أو جَمَاعَةٍ لَا يُتَصَوَّرُ الزنى من جَمِيعِهِمْ عُزِّرَ ولم يُحَدَّ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأصحاب وَقَطَعُوا بِهِ قال أبو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ ليس ذلك بِقَذْفٍ لِأَنَّهُمْ لَا عَارَ عليهم بِذَلِكَ وَيُعَزَّرُ كَسَبِّهِمْ بِغَيْرِهِ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لم يَطْلُبْهُ أَحَدٌ يُؤَيِّدُهُ أَنَّ في الْمُغْنِي جَعَلَ هذه الْمَسْأَلَةَ أَصْلًا لِقَذْفِ الصَّغِيرَةِ مع أَنَّهُ قال لَا يَحْتَاجُ في التَّعْزِيرِ إلَى مُطَالَبَةٍ وفي مُخْتَصَرِ ابن رزين وَيُعَزَّرُ حَيْثُ لَا حَدَّ. قَوْلُهُ: وَإِنْ قال لِرَجُلٍ اقْذِفْنِي فَقَذَفَهُ فَهَلْ يُحَدُّ على وَجْهَيْنِ مَبْنِيَّيْنِ على الْخِلَافِ في حَدِّ الْقَذْفِ هل هو حَقٌّ لِلَّهِ أو لِلْآدَمِيِّ وقد تَقَدَّمَ الْمَذْهَبُ في ذلك فَإِنْ قُلْنَا هو حَقٌّ لِلْآدَمِيِّ لم يُحَدَّ ها هنا وَإِنْ قُلْنَا هو حَقٌّ لِلَّهِ حُدَّ وَصَحَّحَ في التَّرْغِيبِ أَنَّهُ يُحَدُّ أَيْضًا على قَوْلِنَا إنَّهُ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّ. قَوْلُهُ: وَإِنْ قال لِامْرَأَتِهِ يا زَانِيَةُ فقالت بِك زَنَيْت لم تَكُنْ قَاذِفَةً وَيَسْقُطُ عنه الْحَدُّ بِتَصْدِيقِهَا نَصَّ عليه وَلَوْ قال زَنَى بِك فُلَانٌ كان قَذْفًا لَهُمَا نَصَّ عليه فِيهِمَا وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا وَخَرَجَ في كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمُ الْأُخْرَى وقال ابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وقال أبو الْخَطَّابِ في هِدَايَتِهِ يَكُونُ الرَّجُلُ قَاذِفًا لها في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: لِأَنَّهُ نَسَبَهَا إلَى الزنى وَتَصْدِيقُهَا لم تُرِدْ بِهِ حَقِيقَةَ الْفِعْلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لو أُرِيدَ بِهِ ذلك لَوَجَبَ كَوْنُهَا قَاذِفَةً انتهى. وَاَلَّذِي قَالَهُ في الْهِدَايَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَكُونُ قَاذِفَةً وَاقْتَصَرَ عليه فَلَعَلَّهُ قال أبو الْخَطَّابِ في غَيْرِ هِدَايَتِهِ فَسَقَطَ لَفْظَةُ غَيْرِ. قَوْلُهُ: وإذا قُذِفَتْ الْمَرْأَةُ لم يَكُنْ لِوَلَدِهَا الْمُطَالَبَةُ إذَا كانت الْأُمُّ في الْحَيَاةِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابن منجا وقوله [قوله] وَإِنْ قُذِفَتْ وَهِيَ مَيِّتَةٌ مُسْلِمَةً كانت أو كَافِرَةً حُرَّةً أو أَمَةً حُدَّ الْقَاذِفُ إذَا طَالَبَ الِابْنُ وكان مُسْلِمًا حُرًّا ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ وهو الْمَذْهَبُ وَصَحَّحَهُ في الْمُحَرَّرِ وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وقال أبو بَكْرٍ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِقَذْفِ مَيِّتَةٍ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ في غَيْرِ أُمَّهَاتِهِ وَقَطَعَ بِهِ في الْمُبْهِجِ.
تنبيه: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لو قَذَفَ أُمَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا وَالِابْنُ مُشْرِكٌ أو عَبْدٌ أَنَّهُ لَا حَدَّ على قَاذِفِهَا وهو صَحِيحٌ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّف وَالشَّارِحُ وَنَصَرَاهُ
فائدتان: إحْدَاهُمَا: لو قَذَفَ جَدَّتَهُ وَهِيَ مَيِّتَةٌ فَقِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ كَقَذْفِ أُمِّهِ في الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَاقْتَصَرَا عليه. الثَّانِيَةُ: لو قَذَفَ أَبَاهُ أو جَدَّهُ أو كان وَاحِدًا من أَقَارِبِهِ غير أُمَّهَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لم يُحَدَّ بِقَذْفِهِ في ظَاهِرِ الْخِرَقِيِّ وَالْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِمَا وَاقْتَصَرَ عليه في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وهو قَوْلُ أبي بَكْرٍ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُحَرَّرِ أَنَّ حَدَّ قَذْفِ الْمَيِّتِ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ حتى الزَّوْجَيْنِ وقال نَصَّ عليه وَالصَّحِيحُ أَنَّ النَّصَّ إنَّمَا هو في الْقَذْفِ الْمَوْرُوثِ لَا غَيْرُ. قَوْلُهُ: وَإِنْ مَاتَ الْمَقْذُوفُ سَقَطَ الْحَدُّ إذَا قُذِفَ قبل مَوْتِهِ ثُمَّ مَاتَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قد طَالَبَ أو لَا فَإِنْ مَاتَ ولم يُطَالِبْ سَقَطَ الْحَدُّ بِلَا إشْكَالٍ وَعَلَيْهِ الْأصحاب وَنَصَّ عليه وَخَرَّجَ أبو الْخَطَّابِ وَجْهًا بِالْإِرْثِ وَالْمُطَالَبَةِ وَإِنْ كان طَالَبَ بِهِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ وَلِلْوَرَثَةِ طَلَبُهُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأصحاب وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ قال في الْمُحَرَّرِ وَمَنْ قُذِفَ له مَوْرُوثٌ حَيٌّ لم يَكُنْ له أَنْ يُطَالِبَ في حَيَاتِهِ بِمُوجَبِ قَذْفِهِ فَإِنْ مَاتَ وقد وَرِثَ أو قُلْنَا يُورَثُ مُطْلَقًا صَارَ لِلْوَارِثِ بِصِفَةِ ما كان لِلْمَوْرُوثِ اعْتِبَارًا بِإِحْصَانِهِ انتهى. وقال في الْقَوَاعِدِ وَيَسْتَوْفِيهِ الْوَرَثَةُ بِحُكْمِ الْإِرْثِ عِنْدَ الْقَاضِي وقال ابن عَقِيلٍ فِيمَا قَرَأْته بِخَطِّهِ إنَّمَا يُسْتَوْفَى لِلْمَيِّتِ بِمُطَالَبَتِهِ منه وَلَا يَنْتَقِلُ وَكَذَا الشُّفْعَةُ فيه فإن مِلْكَ الْوَارِثِ وَإِنْ كان طَارِئًا على الْبَيْعِ إلَّا أَنَّهُ مَبْنِيٌّ على مِلْكِ مَوْرُوثِهِ انتهى. وَذَكَرَ في الِانْتِصَارِ رِوَايَةً أَنَّهُ لَا يُورَثُ حَدُّ قَذْفٍ وَلَوْ طَلَبَهُ مَقْذُوفٌ كَحَدِّ الزنى وَتَقَدَّمَ ذلك آخِرَ خِيَارِ الشَّرْطِ
فائدتان: إحْدَاهُمَا: حَقُّ الْقَذْفِ لِجَمِيعِ الورثه حتى أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عليه الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقِيلَ لهم سِوَى الزَّوْجَيْنِ وهو قَوْلُ الْقَاضِي في مَوْضِعٍ من كَلَامِهِ وقال في الْمُغْنِي هو لِلْعَصَبَةِ وقال ابن عَقِيلٍ في عُمَدِ الْأَدِلَّةِ يَرِثُهُ الْإِمَامُ أَيْضًا في قِيَاسِ الْمَذْهَبِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ أو غَيْرُهُ في بَابِ ما يُكْرَهُ وما يُسْتَحَبُّ وَحُكْمُ الْقَضَاءِ. الثَّانِيَةُ: لو عَفَا بَعْضُهُمْ حُدَّ لِلْبَاقِي كَامِلًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ يَسْقُطُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ ولم أَرَهُ لِغَيْرِهِ وقال ابن نَصْرِ اللَّهِ في حَوَاشِي الْفُرُوعِ لَعَلَّهُ وَقِيلَ بِقِسْطِهِ انتهى. قُلْت وَيَدُلُّ ما يَأْتِي قَرِيبًا عليه وقال في الرَّوْضَةِ إنْ مَاتَ بَعْدَ طَلَبِهِ مَلَكَهُ وَارِثُهُ فَإِنْ عَفَا بَعْضُهُمْ حُدَّ لِمَنْ طَلَبَ بِقِسْطِهِ وَسَقَطَ قِسْطُ من عَفَا بِخِلَافِ الْقَذْفِ إذَا عَفَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ الْقَذْفَ لَا يَتَبَعَّضُ وَهَذَا يَتَبَعَّضُ. قَوْلُهُ: وَمَنْ قَذَفَ أُمَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قُتِلَ مُسْلِمًا كان أو كَافِرًا هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا يُكَفَّرُ الْمُسْلِمُ بِذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْأصحاب وَعَنْهُ إنْ تَابَ لم يُقْتَلْ وَعَنْهُ لَا يُقْتَلُ الْكَافِرُ إذَا أَسْلَمَ وَهِيَ مُخَرَّجَةٌ من نَصِّهِ في التَّفْرِقَةِ بين السَّاحِرِ الْمُسْلِمِ وَالسَّاحِرِ الذِّمِّيِّ على ما يَأْتِي قال في الْمَنْثُورِ وَهَذَا كَافِرٌ قُتِلَ من سَبِّهِ فَيُعَايَى بها وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ
فائدتان: إحْدَاهُمَا: قَذْفُ رسول اللَّهِ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ كَقَذْفِ أُمِّهِ وَيَسْقُطُ سَبُّهُ بِالْإِسْلَامِ كَسَبِّ اللَّهِ تَعَالَى وَفِيهِ خِلَافٌ في الْمُرْتَدِّ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَذَا من سَبَّ نِسَاءَهُ لِقَدْحِهِ في دِينِهِ وَإِنَّمَا لم يَقْتُلْهُمْ لِأَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا قبل عِلْمِهِ بِبَرَاءَتِهَا وَأَنَّهَا من أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُنَّ لِإِمْكَانِ الْمُفَارَقَةِ فَتَخْرُجُ بِالْمُفَارَقَةِ من أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَحِلُّ لِغَيْرِهِ في وَجْهٍ وَقِيلَ لَا وَقِيلَ في غَيْرِ مَدْخُولٍ بها. الثَّانِيَةُ: اخْتَارَ ابن عبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ كُفْرَ من سَبَّ أُمَّ نَبِيٍّ من الْأَنْبِيَاءِ أَيْضًا غير نَبِيِّنَا صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عليهم أَجْمَعِينَ كَأُمِّ نَبِيِّنَا سَوَاءٌ عِنْدَهُ قُلْت وهو عَيْنُ الصَّوَابِ الذي لَا شَكَّ فيه وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ وَتَعْلِيلُهُمْ يَدُلُّ عليه ولم يَذْكُرُوا ما ينافيه [بينا]. قَوْلُهُ: وَإِنْ قَذَفَ الْجَمَاعَةَ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَحَدٌّ وَاحِدٌ إذَا طَالَبُوا أو وَاحِدٌ منهم فَيُحَدُّ لِمَنْ طَلَبَ ثُمَّ لَا حَدَّ بَعْدَهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ إنْ طَالَبُوا مُتَفَرِّقِينَ حُدَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَدًّا وَإِلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ وَعَنْهُ يُحَدُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَدًّا مُطْلَقًا وَعَنْهُ إنْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ وَأَجْنَبِيَّةً تَعَدَّدَ الْوَاجِبُ هُنَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ كما لو لَاعَنَ امْرَأَتَهُ. قَوْلُهُ: وَإِنْ قَذَفَهُمْ بِكَلِمَاتٍ حُدَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَدًّا هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا قال في الْفُرُوعِ تَعَدَّدَ الْحَدُّ على الْأَصَحِّ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الآدمي وَتَذْكِرَةِ ابن عبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ حَدٌّ وَاحِدٌ وَعَنْهُ إنْ تَعَدَّدَ الطَّلَبُ تَعَدَّدَ الْحَدُّ وَإِلَّا فَلَا.
تنبيه: مَحَلُّ ذلك إذَا كَانُوا جَمَاعَةً يُتَصَوَّرُ منهم الزنى أَمَّا إنْ كان لَا يُتَصَوَّرُ من جَمِيعِهِمْ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذلك. قَوْلُهُ: وَإِنْ حُدَّ لِلْقَذْفِ فَأَعَادَهُ لم يُعَدْ عليه الْحَدُّ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأصحاب وَلَوْ بَعْدَ لِعَانِهِ زَوْجَتَهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ يَتَعَدَّدُ مُطْلَقًا وَقِيلَ يُحَدُّ إنْ كان حَدًّا أو لَاعَنَ نَقَلَهُ حَنْبَلٌ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ.
فوائد: الْأُولَى: مَتَى قُلْنَا لَا يُحَدُّ هُنَا فإنه يُعَزَّرُ وَعَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ لَا لِعَانَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال في التَّرْغِيبِ يُلَاعِنُ إلَّا أَنْ يَقْذِفَهَا بزنى [بزنا] لَاعَنَ عليه مَرَّةً وَاعْتَرَفَ أو قَامَتْ الْبَيِّنَةُ وقال ابن عَقِيلٍ يُلَاعِنُ لِنَفْيِ التَّعْزِيرِ. الثَّانِيَةُ: لو قَذَفَهُ بزنى [بزنا] آخَرَ بَعْدَ حَدِّهِ فَعَنْهُ يُحَدُّ وَعَنْهُ لَا يُحَدُّ وَعَنْهُ يُحَدُّ مع طُولِ الزَّمَنِ قُلْت وهو الصَّوَابُ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابن رزين وَالنَّظْمِ وقال يُحَدُّ مع قُرْبِ الزَّمَانِ في الْأُولَى: وَأَطْلَقَ الْأَخِيرَتَيْنِ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ وقال في الرِّعَايَةِ وَإِنْ قَذَفَهُ بزنى [بزنا] آخَرَ عَقِبَ هذا فَرِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا: يَجِبُ حَدَّانِ وَالثَّانِيَةُ حَدٌّ وَتَعْزِيرٌ وَإِنْ قَذَفَهُ بَعْدَ مُدَّةٍ حُدَّ على الْأَصَحِّ قال ابن عَقِيلٍ إنْ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً ثُمَّ نَكَحَهَا قبل حَدِّهِ فَقَذَفَهَا فَإِنْ طَالَبَتْ بِأَوَّلِهِمَا فَحُدَّ فَفِي الثَّانِي رِوَايَتَانِ وَإِنْ طَالَبَتْ بِالثَّانِي فَثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أو لَاعَنَ لم يُحَدَّ لِلْأَوَّلِ. الثَّالِثَةُ: من تَابَ من الزنى ثُمَّ قُذِفَ حُدَّ قَاذِفُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يُعَزَّرُ فَقَطْ وَاخْتَارَ في التَّرْغِيبِ يُحَدُّ بِقَذْفِهِ بزنى [بزنا] جَدِيدٍ لِكَذِبِهِ يَقِينًا. الرَّابِعَةُ: لو قُذِفَ من أقرت [أقر] بالزنى مَرَّةً وفي الْمُبْهِجِ أَرْبَعًا أو شَهِدَ بِهِ اثْنَانِ أو شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بالزنى فَلَا لِعَانَ وَيُعَزَّرُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال في الْمُسْتَوْعِبِ لَا يُعَزَّرُ الْخَامِسَةُ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ تَوْبَةٍ من قَذْفٍ وَغِيبَتِهِ وَنَحْوِهِمَا إعْلَامُهُ وَالتَّحَلُّلُ منه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال الْقَاضِي وَالشَّيْخُ عبد الْقَادِرِ يَحْرُمُ إعْلَامُهُ وَنَقَلَ مُهَنَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلِمَهُ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا إعْلَامُهُ قُلْت وَهِيَ بَعِيدَةٌ على إطْلَاقِهَا وَقِيلَ إنْ عَلِمَ بِهِ الْمَظْلُومُ وَإِلَّا دَعَا له وَاسْتَغْفَرَ ولم يُعْلِمْهُ وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ عن أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ قال وَعَلَى الصَّحِيحِ من الرِّوَايَتَيْنِ لَا يَجِبُ الِاعْتِرَافُ لو سَأَلَهُ فَيُعْرِضُ وَلَوْ مع اسْتِحْلَافِهِ لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ لِصِحَّةِ تَوْبَتِهِ وَمَنْ جَوَّزَ التَّصْرِيحَ في الْكَذِبِ الْمُبَاحِ فَهُنَا فيه نَظَرٌ وَمَعَ عَدَمِ التَّوْبَةِ وَالْإِحْسَانِ تَعْرِيضُهُ كَذِبٌ وَيَمِينُهُ غَمُوسٌ قال وَاخْتِيَارُ أصحابنَا لَا يُعْلِمُهُ بَلْ يَدْعُو له في مُقَابَلَةِ مَظْلِمَتِهِ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْضًا وَزِنَاهُ بِزَوْجَةِ غَيْرِهِ كَالْغِيبَةِ قُلْت بَلْ أَوْلَى بِكَثِيرٍ وَاَلَّذِي لَا شَكَّ فيه أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عليه أَنْ لَا يُعْلِمَهُ وَإِنْ أَعْلَمَهُ بِالْغِيبَةِ فإن ذلك يُفْضِي في الْغَالِبِ إلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ وَرُبَّمَا أَفْضَى إلَى الْقَتْلِ وَذُكِرَ الشيخ [للشيخ] عبدالقادر في الْغُنْيَةِ إنْ تَأَذَّى بِمَعْرِفَتِهِ كَزِنَاهُ بِجَارِيَتِهِ وَأَهْلِهِ وَغِيبَتِهِ بِعَيْبٍ خَفِيٍّ يَعْظُمُ أَذَاهُ بِهِ فَهُنَا لَا طَرِيقَ إلَّا أَنْ يَسْتَحِلَّهُ وَيَبْقَى عليه مَظْلِمَةٌ ما فَيَجْبُرُهُ بِالْحَسَنَاتِ كما تُجْبَرُ مظلمه الْمَيِّتِ وَالْغَائِبِ انتهى. وَذَكَرَ ابن عقِيلٍ في زِنَاهُ بِزَوْجَةِ غَيْرِهِ احْتِمَالًا لِبَعْضِهِمْ لَا يَصِحُّ إحْلَالُهُ منه لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُسْتَبَاحُ بِإِبَاحَتِهِ ابْتِدَاءً قُلْت وَعِنْدِي أَنَّهُ يَبْرَأُ وَإِنْ لم يَمْلِكْ إبَاحَتَهَا ابْتِدَاءً كَالذَّمِّ وَالْقَذْفِ قال وَيَنْبَغِي اسْتِحْلَالُهُ فإنه حَقُّ آدَمِيٍّ قال في الْفُرُوعِ فَدَلَّ كَلَامُهُ أَنَّهُ لو أَصْبَحَ فَتَصَدَّقَ بِعِرْضِهِ على الناس لم يَمْلِكْهُ ولم يُبَحْ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ قبل وُجُودِ سَبَبِهِ لَا يَصِحُّ وَإِذْنُهُ في عِرْضِهِ كَإِذْنِهِ في قَذْفِهِ هِيَ كَإِذْنِهِ في دَمِهِ وَمَالِهِ وفي طَرِيقَةِ بَعْضِ أصحابنَا ليس له إبَاحَةُ الْمُحَرَّمِ وَلِهَذَا لو رضي بِأَنْ يُشْتَمَ أو يُغْتَابَ لم يُبَحْ ذلك انتهى. فَإِنْ أَعْلَمَهُ بِمَا فَعَلَ ولم يُبَيِّنْهُ فَحَلَّلَهُ فَهُوَ كَإِبْرَاءٍ من مَجْهُولٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال في الْغُنْيَةِ لَا يَكْفِي الِاسْتِحْلَالُ الْمُبْهَمُ لِجَوَازِ أَنَّهُ لو عَرَفَ قَدْرَ ظُلْمِهِ لم تَطِبْ نَفْسُهُ بِالْإِحْلَالِ إلَى أَنْ قال فَإِنْ تَعَذَّرَ فَيُكْثِرُ الْحَسَنَاتِ فإن اللَّهَ يَحْكُمُ عليه وَيُلْزِمُهُ قَبُولَ حَسَنَاتِهِ مُقَابَلَةً لِجِنَايَتِهِ عليه كَمَنْ أَتْلَفَ مَالًا فَجَاءَ بمثله وَأَبَى قَبُولَهُ وَأَبْرَأَهُ حَكَمَ الْحَاكِمُ عليه بِقَبْضِهِ.
قَوْلُهُ: كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ من أَيِّ شَيْءٍ كان وَيُسَمَّى خَمْرًا هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا نَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ وَعَلَيْهِ الْأصحاب وَأَبَاحَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ من نَقِيعِ التَّمْرِ إذَا طُبِخَ ما دُونَ السُّكْرِ قال الْخَلَّالُ فُتْيَاهُ على قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَذَكَرَ أبو الْخَطَّابِ في ضِمْنِ مَسْأَلَةِ جَوَازِ التَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ أَنَّ الْخَمْرَ إذَا طُبِخَ لم يُسَمَّ خَمْرًا وَيَحْرُمُ إذَا حَدَثَتْ فيه الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ ثُمَّ صَرَّحَ في مَنْعِ ثُبُوتِ الْأَسْمَاءِ بِالْقِيَاسِ أَنَّ الْخَمْرَ إنَّمَا سُمِّيَ خَمْرًا لِأَنَّهُ عَصِيرُ الْعِنَبِ الْمُشْتَدِّ وَلِهَذَا يقول الْقَائِلُ أَمَعَك نَبِيذٌ أَمْ خَمْرٌ قال وَقَوْلُهُ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ الْخَمْرُ من هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ وَقَوْلُ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه الْخَمْرُ ما خَامَرَ الْعَقْلَ مَجَازٌ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَهَا من وَجْهٍ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ قَصَدَ بِذَلِكَ نَفْيَ الِاسْمِ في الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ دُونَ الشَّرْعِيَّةِ فَلَهُ مَسَاغٌ فإن مَقْصُودَنَا يَحْصُلُ بِأَنْ يَكُونَ اسْمُ الْخَمْرِ في الشَّرْعِ يَعُمُّ الْأَشْرِبَةَ الْمُسْكِرَةَ وَإِنْ كانت في اللُّغَةِ أَخَصَّ وَإِنْ ادَّعَى أَنَّ الِاسْمَ الْحَقِيقِيَّ مَسْلُوبٌ مُطْلَقًا فَهَذَا مع مُخَالَفَتِهِ لِنَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ خِلَافُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وهو تَأْسِيسٌ لِمَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ وَيَتَرَتَّبُ عليه إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ خَمْرًا انتهى. وَعَنْهُ لَا يُحَدُّ بِالْيَسِيرِ الْمُخْتَلَفِ فيه ذَكَرَهَا ابن الزاغوني في الْوَاضِحِ نَقَلَهَا بن أبي الْمَجْدِ في مُصَنَّفِهِ عنه وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وُجُوبَ الْحَدِّ بِأَكْلِ الْحَشِيشَةِ الْقِنَّبِيَّةِ وقال هِيَ حَرَامٌ سَوَاءٌ سَكِرَ منها أو لم يَسْكَرْ وَالسُّكْرُ منها حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَضَرَرُهَا من بَعْضِ الْوُجُوهِ أَعْظَمُ من ضَرَرِ الْخَمْرِ قال وَلِهَذَا أَوْجَبَ الْفُقَهَاءُ بها الْحَدَّ كَالْخَمْرِ وَتَوَقَّفَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ في الْحَدِّ بها وإن أَكْلَهَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ بِمَا دُونَ الْحَدِّ فيه نَظَرٌ إذْ هِيَ دَاخِلَةٌ في عُمُومِ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَأَكَلَتُهَا يَنْتَشُونَ عنها وَيَشْتَهُونَهَا كَشَرَابِ الْخَمْرِ وَأَكْثَرَ وَتَصُدُّهُمْ عن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِنَّمَا لم يَتَكَلَّمْ الْمُتَقَدِّمُونَ في خُصُوصِهَا لِأَنَّ أَكْلَهَا إنَّمَا حَدَثَ في أَوَاخِرِ الْمِائَةِ السَّادِسَةِ أو قَرِيبًا من ذلك فَكَانَ ظُهُورُهَا مع ظُهُورِ سَيْفِ جنكيزخان انتهى. قَوْلُهُ: وَلَا يَحِلُّ شُرْبُهُ لِلَذَّةٍ وَلَا لِلتَّدَاوِي وَلَا لِعَطَشٍ وَلَا غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إلَيْهِ لِدَفْعِ لُقْمَةٍ غُصَّ بها فَيَجُوزُ يَعْنِي إذَا لم يَجِدْ غَيْرَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ إلَيْهِ قال في الْفُرُوعِ وَخَافَ تَلَفًا.
فائدة: لو وَجَدَ بَوْلًا وَالْحَالَةُ هذه قُدِّمَ على الْخَمْرِ لِوُجُوبِ الْحَدِّ بِشُرْبِهِ دُونَ الْبَوْلِ فَهُوَ أَخَفُّ تَحْرِيمًا وَقَطَعَ بِهِ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمَا وَلَوْ وَجَدَ مَاءً نَجِسًا قُدِّمَ عَلَيْهِمَا. قَوْلُهُ: وَمَنْ شَرِبَهُ مُخْتَارًا عَالِمًا أَنَّ كَثِيرَهُ يُسْكِرُ قَلِيلًا كان أو كَثِيرًا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ثَمَانُونَ جَلْدَةً هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأصحاب وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وابن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وَالشِّيرَازِيُّ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الآدمي وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْخُلَاصَةِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَنِهَايَةِ ابن رزين وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ أَرْبَعُونَ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَجَزَمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَالتَّسْهِيلِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْهَادِي وَالْكَافِي وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَجَوَّزَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ الثَّمَانِينَ لِلْمَصْلَحَةِ وقال هِيَ الرِّوَايَةُ. الثَّانِيَةُ: فَالزِّيَادَةُ عِنْدَهُ على الْأَرْبَعِينَ إلَى الثَّمَانِينَ لَيْسَتْ وَاجِبَةً على الْإِطْلَاقِ وَلَا مُحَرَّمَةً على الْإِطْلَاقِ بَلْ يُرْجَعُ فيها إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ كما جَوَّزْنَا له الِاجْتِهَادَ في صِفَةِ الضَّرْبِ فيه بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْحُدُودِ انتهى. قال الزَّرْكَشِيُّ قُلْت وَهَذَا الْقَوْلُ هو الذي يَقُومُ عليه الدَّلِيلُ وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْضًا يُقْتَلُ شَارِبُ الْخَمْرِ في الرَّابِعَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى قَتْلِهِ إذَا لم يَنْتَهِ الناس بِدُونِهِ انتهى. وَتَقَدَّمَ في كِتَابِ الْحُدُودِ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ حتى يَصْحُوَ.
تنبيه: مَفْهُومُ قَوْلِهِ مُخْتَارًا أَنَّ غير الْمُخْتَارِ لِشُرْبِهَا لَا يُحَدُّ وهو الْمُكْرَهُ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأصحاب وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ منهم وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَنْهُ عليه الْحَدُّ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْفُرُوعِ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا قُلْنَا يَحْرُمُ شُرْبُهَا.
فوائد: الْأُولَى: إذَا أُكْرِهَ على شُرْبِهَا حَلَّ شُرْبُهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ لَا يَحِلُّ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وقال كما لَا يُبَاحُ لِمُضْطَرٍّ. الثَّانِيَةُ: الصَّبْرُ على الْأَذَى أَفْضَلُ من شُرْبِهَا نَصَّ عليه وَكَذَا كُلُّ ما جَازَ فِعْلُهُ لِلْمُكْرَهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ رَخَّصَ أكثر [أكبر] الْعُلَمَاءِ فِيمَا يُكْرَهُ عليه من الْمُحَرَّمَاتِ لِحَقِّ اللَّهِ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وهو ظَاهِرُ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ. الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: عَالِمًا بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ لو ادَّعَى أَنَّهُ جَاهِلٌ بِالتَّحْرِيمِ مع نُشُوئِهِ بين الْمُسْلِمِينَ لم يُقْبَلْ وَإِلَّا قُبِلَ وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى الْجَهْلِ بِالْحَدِّ قَالَه ابن حَمْدَانَ. الرَّابِعَةُ: لو سَكِرَ في شَهْرِ رَمَضَانَ جُلِدَ ثَمَانِينَ حَدًّا وَعِشْرِينَ تَعْزِيرًا نَقَلَهُ صَالِحٌ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ يُغَلَّظُ عليه كَمَنْ قَتَلَ في الْحَرَمِ وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأصحاب ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ إذَا سَكِرَ في رَمَضَانَ غُلِّظَ حَدُّهُ وَاخْتَارَ أبو بَكْرٍ يُعَزَّرُ بِعَشْرَةٍ فَأَقَلَّ وقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي عُزِّرَ بِعَشْرَيْنِ لِفِطْرِهِ الْخَامِسَةُ يُحَدُّ من احْتَقَنَ بها على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه كما لو اسْتَعَطَ بها أو عَجَنَ بها دَقِيقًا فَأَكَلَهُ وَقِيلَ لَا يُحَدُّ من احْتَقَنَ بها وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَاخْتَارَاهُ وَاخْتَارَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُحَدُّ إذَا عَجَنَ بِهِ دَقِيقًا وَأَكَلَهُ وقال في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ لو خَلَطَ خَمْرًا بِمَاءٍ وَاسْتُهْلِكَ فيه ثُمَّ شَرِبَهُ لم يُحَدَّ على الْمَشْهُورِ وَسَوَاءٌ قِيلَ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ أو لَا وفي التَّنْبِيهِ لِأَبِي بَكْرٍ من لَتَّ بِالْخَمْرِ سَوِيقًا أو صَبَّهَا في لَبَنٍ أو مَاءٍ حَارٍّ ثُمَّ شَرِبَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ولم يُفَرِّقْ بين الِاسْتِهْلَاكِ وَعَدَمِهِ انتهى. وَأَمَّا إذَا خُبِزَ الْعَجِينُ فإنه لَا يُحَدُّ بِأَكْلِ الْخُبْزِ لِأَنَّ النَّارَ أَكَلَتْ أَجْزَاءَ الْخَمْرِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ يُحَدُّ إنْ تَمَضْمَضَ بِهِ وَكَذَا رَوَاهُ بَكْرُ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه في الرَّجُلِ يَسْتَعِطْ بِالْخَمْرِ أو يَحْتَقِنُ بِهِ أو يَتَمَضْمَضُ بِهِ أَرَى عليه الْحَدُّ ذَكَرَهُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ قاله الزَّرْكَشِيُّ وهو مَحْمُولٌ على أَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَصَلَتْ إلَى حَلْقِهِ وَذَكَرَ ما نَقَلَهُ حَنْبَلٌ في الرِّعَايَةِ قَوْلًا ثُمَّ قال وهو بَعِيدٌ وقال في الْمُسْتَوْعِبِ إنْ وَصَلَ جَوْفَهُ حُدَّ. قَوْلُهُ: إلَّا الذِّمِّيَّ فإنه لَا يُحَدُّ بِهِ بِشُرْبِهِ في الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَكَذَا قال في الْهِدَايَةِ وَكَذَا الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ كما قال وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأصحاب قال في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ الْمَذْهَبُ لَا يُحَدُّ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ في الْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ قال في الْبُلْغَةِ وَلَوْ رضي بِحُكْمِنَا لِأَنَّهُ لم يَلْتَزِمْ الِانْقِيَادَ في مُخَالَفَةِ دِينِهِ وَعَنْهُ يُحَدُّ الذِّمِّيُّ دُونَ الْحَرْبِيِّ وَعَنْهُ يُحَدُّ إنْ سَكِرَ اخْتَارَهُ في الْمُحَرَّرِ وقال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَكَلَامُ طَائِفَةٍ من الْأصحاب يُشْعِرُ بِبِنَاءِ هذه [هذا] الْمَسْأَلَةِ على أَنَّ الْكُفَّارَ هل هُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ أَمْ لَا فقال الزَّرْكَشِيُّ وقد تُبْنَى الرِّوَايَتَانِ على تَكْلِيفِهِمْ بِالْفُرُوعِ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ ثَمَّ قَطْعًا تَكْلِيفُهُمْ بها. قَوْلُهُ: وَهَلْ يُحَدُّ بِوُجُودِ الرَّائِحَةِ على رِوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في مَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَنِهَايَةِ ابن رزين إحْدَاهُمَا: لَا يُحَدُّ وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ وَالتَّصْحِيحِ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْفُصُولِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَالرِّوَايَةُ. الثَّانِيَةُ: يُحَدُّ إذَا لم يَدَّعِ شُبْهَةً قال ابن أبي مُوسَى في الْإِرْشَادِ هذه أَظْهَرُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاخْتَارَهَا ابن عبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدَّمَهَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَعَنْهُ يُحَدُّ وَإِنْ ادَّعَى شُبْهَةً ذَكَرَهَا في الْفُرُوعِ وَذَكَرَ هذه الْمَسْأَلَةَ في آخِرِ بَابِ حَدِّ الزنى وَأَطْلَقَهُنَّ في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُؤَدَّبُ بِرَائِحَتِهِ وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ كَالْحَاضِرِ مع من يَشْرَبُهُ نَقَلَهُ أبو طَالِبٍ
فائدتان: إحْدَاهُمَا: لو وُجِدَ سَكْرَانَ وقد تَقَيَّأَ الْخَمْرَ فَقِيلَ حُكْمُهُ حُكْمُ الرَّائِحَةِ قَدَّمَهُ في الْفُصُولِ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ يُحَدُّ هُنَا وَإِنْ لم نَحُدَّهُ بِالرَّائِحَةِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْإِرْشَادِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ على ما اصْطَلَحْنَاهُ في الْخُطْبَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ: يَثْبُتُ شُرْبُهُ لِلْخَمْرِ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كَحَدِّ الْقَذْفِ جَزَمَ بِهِ في الْفُصُولِ وَالْمُذْهَبِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ مَرَّتَيْنِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأصحابهُ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَاخْتَارَهُ ابن عبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِ وَجَعَلَ أبو الْخَطَّابِ أَنَّ بَقِيَّةَ الْحُدُودِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ مَرَّتَيْنِ وقال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ في حَدِّ الْخَمْرِ بِمَرَّتَيْنِ وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ فَلِأَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ إتْلَافًا بِخِلَافِ حَدِّ السَّرِقَةِ قال في الْفُرُوعِ ولم يُفَرِّقُوا بين حَدِّ الْقَذْفِ وَغَيْرِهِ إلَّا بِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ كَالْقَوَدِ فَدَلَّ على رِوَايَةٍ فيه قال وَهَذَا مُتَّجَهٌ وَيَثْبُتُ أَيْضًا شُرْبُهَا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ وَيُعْتَبَرُ. قَوْلُهُ:مَا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ مُخْتَارًا وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَوْلُهُ: وَالْعَصِيرُ إذَا أَتَتْ عليه ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ حَرُمَ هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأصحاب وَبَيَّنَ ذلك في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا فَقَالُوا بِلَيَالِيِهِنَّ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ وَقِيلَ لَا يَحْرُمُ ما لم يَغْلِ اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وَحَمَلَ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ على ذلك فقال في الْهِدَايَةِ وَعِنْدِي أَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَحْمُولٌ على عَصِيرٍ يَتَخَمَّرُ في ثَلَاثٍ غَالِبًا.
فائدة: لو طُبِخَ قبل التَّحْرِيمِ حَلَّ إنْ ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ قال أبو بَكْرٍ هو إجْمَاعٌ من الْمُسْلِمِينَ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال في الْمُغْنِي وَالشَّارِحِ وَغَيْرِهِمَا الِاعْتِبَارُ في حِلِّهِ عَدَمُ الْإِسْكَارِ سَوَاءٌ ذَهَبَ بِطَبْخِهِ ثُلُثَاهُ أو أَقَلُّ أو أَكْثَرُ أو لم يُسْكِرْ. قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يغلي قبل ذلك فَيَحْرُمُ نَصَّ عليه وهو الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ إذَا غلى أَكْرَهُهُ وَإِنْ لم يُسْكِرْ فإذا أَسْكَرَ فَحَرَامٌ وَعَنْهُ الْوَقْفُ فِيمَا نَشَّ. قَوْلُهُ: وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يَتْرُكَ في الْمَاءِ تَمْرًا أو زَبِيبًا وَنَحْوَهُ لِيَأْخُذَ مُلُوحَتَهُ ما لم يَشْتَدَّ أو يأتي [يأت] عليه ثَلَاثٌ وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأصحاب وَنَقَل ابن الْحَكَمِ إذَا نَقَعَ زَبِيبًا أو تمر [تمرا] هندي [هنديا] أو عُنَّابًا وَنَحْوَهُ لِدَوَاءٍ غَدْوَةً وَيَشْرَبُهُ عَشِيَّةً أو عَشِيَّةً وَيَشْرَبُهُ غَدْوَةً هذا نَبِيذٌ أَكْرَهُهُ وَلَكِنْ يَطْبُخُهُ وَيَشْرَبُهُ على الْمَكَانِ فَهَذَا ليس بِنَبِيذٍ.
فائدة: لو غَلَى الْعِنَبُ وهو عِنَبٌ على حَالِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ نَقَلَهُ أبو دَاوُد وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ: وَلَا يُكْرَهُ الِانْتِبَاذُ في الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأصحاب وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الآدمي وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالنَّظْمِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ يُكْرَهُ قال الْخَلَّالُ عليه الْعَمَلُ وَذَكَرَ بن الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ في الهدى رِوَايَةً أَنَّهُ يَحْرُمُ وَعَنْهُ يُكْرَهُ في هذه الْأَوْعِيَةِ وفي غَيْرِهَا إلَّا سِقَاءً يُوكَى حَيْثُ بَلَغَ الشَّرَابُ وَلَا يَتْرُكُهُ يَتَنَفَّسُ نَقَلَهُ جَمَاعَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَنَقَلَ أبو دَاوُد وَلَا يُعْجِبُنِي إلَّا هو وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ كَرِهَ السِّقَاءَ الْغَلِيظَ. قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ الْخَلِيطَانِ وهو أَنْ يَنْتَبِذَ شَيْئَيْنِ كَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَكَذَا الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ وَنَحْوُهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأصحاب وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ يَحْرُمُ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ الْخَلِيطَانِ حَرَامٌ قال الْقَاضِي يَعْنِي أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ حَرَامٌ إذَا اشْتَدَّ وَأَسْكَرَ وإذا لم يُسْكِرْ لم يَحْرُمْ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا وَهَذَا هو الصَّحِيحُ وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ اخْتَارَهُ في التَّرْغِيبِ قال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ لَا يُكْرَهُ ما كان في الْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ وَيُكْرَهُ ما كان في مُدَّةٍ يُحْتَمَلُ إفْضَاؤُهُ فيها إلَى الْإِسْكَارِ وَلَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ ما لم يَغْلِ أو تَمْضِ عليه ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ.
فائدة: يُكْرَهُ انْتِبَاذُ الْمُذْنِبِ وَحْدَهُ قَالَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِالْفُقَّاعِ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأصحاب لِأَنَّهُ لَا يُسْكِرُ وَيَفْسُدُ إذَا بَقِيَ وَعَنْهُ يُكْرَهُ وَعَنْهُ يَحْرُمُ ذَكَرَهَا في الْوَسِيلَةِ قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَشَذَّ من نَقَلَ تَحْرِيمَهُ.
فائدة: جَعَلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَضْعَ زَبِيبٍ في خَرْدَلٍ كَعَصِيرٍ وَأَنَّهُ إنْ صُبَّ فيه خَلٌّ أُكِلَ بَابُ التَّعْزِيرِ. قَوْلُهُ: وهو وَاجِبٌ في كل مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فيها وَلَا كَفَّارَةَ كَالِاسْتِمْتَاعِ الذي لَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَإِتْيَانِ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ وَسَرِقَةِ مالا يُوجِبُ الْقَطْعَ وَالْجِنَايَةِ على الناس بِمَا لَا قِصَاصَ فيه وَالْقَذْفِ بِغَيْرِ الزنى وَنَحْوِهِ إذَا كانت الْمَعْصِيَةُ لَا حَدَّ فيها وَلَا كَفَّارَةَ كما مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ وَفَعَلَهَا فإنه يُعَزَّرُ وقد يَفْعَلُ مَعْصِيَةً لَا كَفَّارَةَ فيها وَلَا حَدَّ وَلَا تَعْزِيرَ أَيْضًا كما لو شَتَمَ نَفْسَهُ أو سَبَّهَا قَالَهُ الْقَاضِي وَمَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَى وُجُوبِ التَّعْزِيرِ قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ كان فيها حَدٌّ فَقَدْ يُعَزَّرُ معه وقد تَقَدَّمَ بَعْضُ ذلك في مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ منها الزِّيَادَةُ على الْحَدِّ إذَا شَرِبَ الْخَمْرَ في رَمَضَانَ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَا يُشْرَعُ التَّعْزِيرُ فِيمَا فيه حَدٌّ إلَّا على ما قَالَهُ أبو الْعَبَّاسِ بن تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ في شَارِبِ الْخَمْرِ يَعْنِي في جَوَازِ قَتْلِهِ وَفِيمَا إذَا أتى حَدًّا في الْحَرَمِ فإن بَعْضَ الْأصحاب قال يُغَلَّظُ وهو نَظِيرُ تَغْلِيظِ الدِّيَةِ بِالْقَتْلِ في ذلك انتهى. وَإِنْ كانت الْمَعْصِيَةُ فيها كَفَّارَةٌ كَالظِّهَارِ وَقَتْلِ شِبْهِ الْعَمْدِ وَنَحْوِهِ كَالْفِطْرِ في رَمَضَانَ بِالْجِمَاعِ فَهَذَا لَا تَعْزِيرَ فيه مع الْكَفَّارَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَصَاحِبِ الْوَجِيزِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ قال في الْفُرُوعِ وهو الْأَشْهُرُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي ذَكَرَهُ عنه في النُّكَتِ وَقِيلَ يُعَزَّرُ أَيْضًا وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيُّ قال في الْفُرُوعِ وَقَوْلُنَا لَا كَفَّارَةَ فَائِدَتُهُ في الظِّهَارِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ وَنَحْوِهِمَا لَا في الْيَمِينِ الْغَمُوسِ إنْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ لِاخْتِلَافِ سَبَبِهَا وَسَبَبِ التَّعْزِيرِ فَيَجِبُ التَّعْزِيرُ مع الْكَفَّارَةِ فيها. قَوْلُهُ: وهو وَاجِبٌ هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْأصحاب وَنَصَّ عليه في سَبِّ الصَّحَابِيِّ كَحَدٍّ وَكَحَقِّ آدَمِيٍّ طَلَبَهُ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ مَنْدُوبٌ نَصَّ عليه في تَعْزِيرِ رَقِيقِهِ على مَعْصِيَةٍ وَشَاهِدِ زُورٍ وفي الْوَاضِحِ في وُجُوبِ التَّعْزِيرِ رِوَايَتَانِ وفي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ إنْ تَشَاتَمَ وَالِدٌ وَوَلَدُهُ لم يُعَزَّرْ الْوَالِدُ لِحَقِّ وَلَدِهِ وَيُعَزَّرُ الْوَلَدُ لِحَقِّ وَالِدِهِ وَلَا يَجُوزُ تَعْزِيرُهُ إلَّا بِمُطَالَبَةِ الْوَالِدِ وفي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ في قَذْفِ الصَّغِيرِ لَا يُحْتَاجُ في التَّعْزِيرِ إلَى مُطَالَبَةٍ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِتَأْدِيبِهِ فَلِلْإِمَامِ تَعْزِيرُهُ إذَا رَآهُ قال في الْفُرُوعِ يُؤَيِّدُهُ نَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَنْ سَبَّ صَحَابِيًّا يَجِبُ على السُّلْطَانِ تَأْدِيبُهُ ولم يُقَيِّدْهُ بِطَلَبِ وَارِثٍ مع أَنَّ أَكْثَرَهُمْ أو كَثِيرًا منهم له وَارِثٌ وقد نَصَّ في مَوَاضِعَ على التَّعْزِيرِ ولم يُقَيِّدْهُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْأصحاب إلَّا ما تَقَدَّمَ في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَيَأْتِي في أَوَّلِ بَابِ أَدَبِ الْقَاضِي إذَا افْتَاتَ خَصْمٌ على الْحَاكِمِ له تَعْزِيرُهُ مع أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ إجْمَاعًا فَدَلَّ أَنَّهُ ليس كَحَقِّ آدَمِيٍّ الْمُفْتَقِرِ جَوَازُ إقَامَتِهِ إلَى طَلَبٍ وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ إنْ كان التَّعْزِيرُ مَنْصُوصًا عليه كَوَطْءِ جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ أو الْمُشْتَرَكَةِ وَجَبَ وَإِنْ كان غير مَنْصُوصٍ عليه وَجَبَ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فيه أو عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ إلَّا بِهِ وَإِنْ رَأَى الْعَفْوَ عنه جَازَ وَيَجِبُ إذَا طَالَبَ الْآدَمِيُّ بِحَقِّهِ وقال في الْكَافِي يَجِبُ في مَوْضِعَيْنِ فِيهِمَا الْخَبَرُ إلَّا إنْ جاء تَائِبًا فَلَهُ تَرْكُهُ قال الْمَجْدُ فَإِنْ جاء من يَسْتَوْجِبُ التَّعْزِيرَ تَائِبًا لم يُعَزَّرْ عِنْدِي انتهى. وَإِنْ لم يَجِئْ تَائِبًا وَجَبَ وهو مَعْنَى كَلَامِهِ في الرِّعَايَةِ مع أَنَّ فيها له الْعَفْوُ عن حَقِّ اللَّهِ وقال إنْ تَشَاتَمَ اثْنَانِ عُزِّرَا وَيُحْتَمَلُ عَدَمُهُ وفي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ يَسْقُطُ بِعَفْوِ آدَمِيٍّ حَقُّهُ وَحَقُّ السَّلْطَنَةِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لَا يَسْقُطُ لِلتَّهْدِيدِ وَالتَّقْوِيمِ وقال في الِانْتِصَارِ وَلَوْ قَذَفَ مُسْلِمٌ كَافِرًا التَّعْزِيرُ لِلَّهِ فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ نَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ فِيمَنْ زَنَى صَغِيرًا لم نَرَ عليه شيئا وَنَقَل ابن مَنْصُورٍ في صَبِيٍّ قال لِرَجُلٍ يا زَانِي ليس. قَوْلُهُ: شيئا وَكَذَا في التَّبْصِرَةِ أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ وَكَذَا في الْمُغْنِي وزاد وَلَا لِعَانَ وَأَنَّهُ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ في الرَّدِّ على الرَّافِضِيِّ لَا نِزَاعَ بين الْعُلَمَاءِ أَنَّ غير الْمُكَلَّفِ كَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ يُعَاقَبُ على الْفَاحِشَةِ تَعْزِيرًا بَلِيغًا وَكَذَا الْمَجْنُونُ يُضْرَبُ على ما فَعَلَ لِيَنْزَجِرَ لَكِنْ لَا عُقُوبَةَ بِقَتْلٍ أو قَطْعٍ وقال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وما أَوْجَبَ حَدًّا على مُكَلَّفٍ عُزِّرَ بِهِ الْمُمَيِّزُ كَالْقَذْفِ قال في الْوَاضِحِ من شَرَعَ في عَشْرٍ صَلُحَ تَأْدِيبُهُ في تَعْزِيرٍ على طَهَارَةٍ وَصَلَاةٍ فَكَذَا مِثْلُهُ زنى [زنا] وهو مَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي وَذَكَرَ ما نَقَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ في الْغِلْمَانِ يَتَمَرَّدُونَ لَا بَأْسَ بِضَرْبِهِمْ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ ما ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ عن الْقَاضِي يَجِبُ ضَرْبُهُ على صَلَاةٍ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ في تَأْدِيبِهِ في الْإِجَارَةِ وَالدِّيَاتِ أَنَّهُ جَائِزٌ وَأَمَّا الْقِصَاصُ مِثْلُ أَنْ يَظْلِمَ صَبِيٌّ صَبِيًّا أو مَجْنُونٌ مَجْنُونًا أو بَهِيمَةٌ بَهِيمَةً فَيَقْتَصُّ الْمَظْلُومُ من الظَّالِمِ وَإِنْ لم يَكُنْ في ذلك زَجْرٌ لَكِنْ لِاسْتِيفَاءِ الْمَظْلُومِ وَأَخْذِ حَقِّهِ وَجَزَمَ في الرَّوْضَةِ إذَا زَنَى ابن عشْرٍ أو بِنْتُ تِسْعٍ لَا بَأْسَ بِالتَّعْزِيرِ ذَكَرَهُ في الْفُرُوعِ في أَثْنَاءِ بَابِ الْمُرْتَدِّ.
فائدة: في جَوَازِ عَفْوِ وَلِيِّ الْأَمْرِ عن التَّعْزِيرِ الرِّوَايَتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ في وُجُوبِ التَّعْزِيرِ وَنَدْبِهِ.
تنبيه: قَوْلُهُ كَالِاسْتِمْتَاعِ الذي لَا يُوجِبُ الْحَدَّ قال الْأصحاب يُعَزَّرُ على ذلك وقال في الرِّعَايَةِ هل حَدُّ الْقَذْفِ حَقٌّ لِلَّهِ أو لِآدَمِيٍّ وأن التَّعْزِيرَ لِمَا دُونَ الْفَرْجِ مِثْلُهُ. قَوْلُهُ: وَمَنْ وطىء أَمَةَ امْرَأَتِهِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ بِلَا نِزَاعٍ في الْجُمْلَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ أَحَلَّتْهَا له فَيُجْلَدُ مِائَةً هذا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالْعُمْدَةِ وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ وَعَنْهُ يُجْلَدُ مِائَةً إلَّا سَوْطًا وَعَنْهُ يُضْرَبُ عَشْرَةَ أَسْوَاطٍ وَهُمَا من الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: وَهَلْ يَلْحَقُهُ نَسَبُ وَلَدِهَا على رِوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْهَادِي وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ إحْدَاهُمَا: يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالرِّوَايَةُ. الثَّانِيَةُ: لَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ وهو الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ قال أبو بَكْرٍ عليه الْعَمَلُ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ لِمَا لَزِمَهُ من الْجَلْدِ أو الرَّجْمِ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ ظَنَّ جَوَازَهُ لَحِقَهُ وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ فيه وفي حَدِّهِ وَعَنْهُ يُحَدُّ فَلَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ كما لو لم نحلها [تحلها] له وَلَوْ مع ظَنِّ حِلِّهَا نَقَلَهُ مُهَنَّا وَعَنْهُ فِيمَنْ وطء أَمَةَ امْرَأَتِهِ إنْ أَكْرَهَهَا عَتَقَتْ وَغَرِمَ مِثْلَهَا وَإِلَّا مَلَكَهَا قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ من الْأُصُولِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ. قَوْلُهُ: وَلَا يُزَادُ في التَّعْزِيرِ على عَشْرِ جَلْدَاتٍ في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ هذا إحْدَى الرِّوَايَاتِ نَقَلَه ابن مَنْصُورٍ قال ابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ إلَّا في وَطْءِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ على ما يَأْتِي قال الْقَاضِي في كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ الْمَذْهَبُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُزَادُ على عَشْرِ جَلْدَاتٍ إلَّا في وَطْءِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَجَارِيَةِ زَوْجَتِهِ إذَا أَحَلَّتْهَا له انتهى. قال الشَّارِحُ وهو حَسَنٌ وَعَنْهُ لَا يُزَادُ على تِسْعِ جَلْدَاتٍ نَقَلَهَا أبو الْخَطَّابِ وَمَنْ بَعْدَهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَا يَظْهَرُ لي وَجْهُهَا وَذَكَرَ بن الصَّيْرَفِيِّ في عُقُوبَةِ أصحاب الْجَرَائِمِ أَنَّ من صلى في الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عنها ضُرِبَ ثَلَاثَ ضَرَبَاتٍ مَنْقُولٌ عن الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ وَذَكَرَ بن بَطَّةَ في كِتَابِ الْحَمَّامِ أَنَّ عُقُوبَةَ من دَخَلَهَا بِغَيْرِ مِئْزَرٍ يُجْلَدُ خَمْسَ عَشْرَةَ جَلْدَةً انتهى. وَعَنْهُ ما كان سَبَبُهُ الْوَطْءَ كَوَطْءِ جَارِيَتِهِ الْمُشْتَرَكَةِ وَالْمُزَوَّجَةِ وَنَحْوِهِ ضُرِبَ مِائَةً وَيَسْقُطُ عنه النَّفْيُ وَهِيَ الرِّوَايَةُ التي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا قال وَكَذَلِكَ تَخَرَّجَ فِيمَنْ أتى بَهِيمَةً يَعْنِي إذَا قُلْنَا إنَّهُ لَا يُحَدُّ وَهَذَا التَّخْرِيجُ لِأَبِي الْخَطَّابِ. اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا وطىء جَارِيَتَهُ الْمُشْتَرَكَةَ يُعَزَّرُ بِضَرْبِ مِائَةٍ إلَّا سَوْطًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وَعَنْهُ يُضْرَبُ مِائَةً وَيَسْقُطُ عنه النَّفْيُ وَلَهُ نَقْصُهُ وَقَدَّمَ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّهُ يُجْلَدُ مِائَةً قال في الْخُلَاصَةِ فما كان سَبَبُهُ الْوَطْءَ يُضْرَبُ فيه مِائَةً وَيَسْقُطُ النَّفْيُ وَقِيلَ عَشْرَ جَلْدَاتٍ انتهى. وَجَزَمَ بِهِ الآدمي في مُنْتَخَبِهِ وَعَنْهُ لَا يُزَادُ على عَشْرِ جَلْدَاتٍ وهو الذي قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَأَمَّا إذَا وطىء جَارِيَتَهُ الْمُزَوَّجَةَ أو الْمُحَرَّمَةَ بِرَضَاعٍ إذَا قُلْنَا لَا يُحَدُّ بِذَلِكَ على ما تَقَدَّمَ في بَابِ حَدِّ الزنى فَعَنْهُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ وَطْءِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ على ما تَقَدَّمَ قال في الْفُرُوعِ وَهِيَ أَشْهَرُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُصَنِّفُ هُنَا وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ لَا يُزَادُ على عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ وَإِنْ زِدْنَا عليها في وَطْءِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وهو الْمَذْهَبُ على ما اصْطَلَحْنَاهُ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ قال الْقَاضِي هذا الْمَذْهَبُ كما تَقَدَّمَ عنه وَأَمَّا إذَا وطىء فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَنَقَلَ يَعْقُوبُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْوَطْءِ في الْفَرْجِ على ما تَقَدَّمَ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمْ على ما قَدَّمُوهُ وَعَنْهُ لَا يُزَادُ فيه على عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ وَإِنْ زِدْنَا في الْوَطْءِ في الْفَرْجِ قال الْقَاضِي هذا الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وهو الْمَذْهَبُ على الْمُصْطَلَحِ كما تَقَدَّمَ.
فائدة: لو وطىء مَيِّتَةً وَقُلْنَا لَا يُحَدُّ على ما تَقَدَّمَ عُزِّرَ بِمِائَةِ جَلْدَةٍ وَإِنْ وطىء جَارِيَةَ وَلَدِهِ عُزِّرَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَيَكُونُ مِائَةً وَقِيلَ لَا يُعَزَّرُ وَقِيلَ إنْ حَمَلَتْ منه مَلَكَهَا وَإِلَّا عُزِّرَ وَإِنْ وطىء أَمَةَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ وَقُلْنَا لَا يُحَدُّ عُزِّرَ بِمِائَةِ سَوْطٍ وَكَذَا لو وَجَدَ مع امْرَأَتِهِ رَجُلًا فإنه يُعَزَّرُ بِمِائَةِ جَلْدَةٍ قال ذلك في الرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِ وَيَأْتِي فيه من الْخِلَافِ ما في نَظَائِرِهِ وَأَمَّا الْعَبْدُ على الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحُرَّ يُعَزَّرُ بِمِائَةٍ أو بِمِائَةٍ إلَّا سَوْطًا فإنه يُجْلَدُ خَمْسِينَ إلَّا سَوْطًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ خَمْسُونَ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرُ الْوَطْءِ لَا يَبْلُغُ بِهِ أَدْنَى الْحُدُودِ من تَتِمَّةِ الرِّوَايَةِ أو رِوَايَةٌ بِرَأْسِهَا وَجَزَمَ بهذا الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ إلَّا ما اسْتَثْنَوْهُ مِمَّا سَبَبُهُ الْوَطْءُ فَعَلَى هذه الرِّوَايَةِ وَهِيَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ لَا يَبْلُغُ بِهِ أَدْنَى الْحُدُودِ قال الزَّرْكَشِيُّ كَذَا فَهِمَ عنه الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَالَهُ في الْفُصُولِ وقال في الْفُرُوعِ فَعَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ روى عنه أَدْنَى حَدٍّ عليه وهو أَشْهَرُ وَنَصَرَهُ أبو الْخَطَّابِ وَجَمَاعَةٌ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو قَوْلُ أَكْثَرِ الْأصحاب فَعَلَى هذا لَا يَبْلُغُ بِالْحُرِّ أَدْنَى حَدِّهِ وهو الْأَرْبَعُونَ أو الثَّمَانُونَ وَلَا بِالْعَبْدِ أَدْنَى حَدِّهِ وهو الْعِشْرُونَ أو الْأَرْبَعُونَ وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَيَحْتَمِلُ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنْ لَا يَبْلُغَ جِنَايَةً حَدًّا مَشْرُوعًا من جِنْسِهَا وَيَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ على حَدٍّ من غَيْرِ جِنْسِهَا فَعَلَى هذا ما كان سَبَبُهُ الْوَطْءَ يَجُوزُ أَنْ يُجْلَدَ مِائَةً إلَّا سَوْطًا لِيَنْقُصَ عن حَدِّ الزنى وما كان سَبَبُهُ غير الْوَطْءِ لم يَبْلُغْ بِهِ أَدْنَى الْحُدُودِ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو أَقْعَدُ من جِهَةِ الدَّلِيلِ زَادَ في الْفُرُوعِ فقال وَيَكُونُ ما لم يَرِدْ بِهِ نَصٌّ بِحَبْسٍ وَتَوْبِيخٍ وَقِيلَ في حَقِّ اللَّهِ الْحَبْسُ وَالتَّوْبِيخُ
فائدتان: إحْدَاهُمَا: إذَا عَزَّرَهُ الْحَاكِمُ أَشْهَرَهُ لِمَصْلَحَةٍ نَقَلَهُ عبد اللَّهِ في شَاهِدِ الزُّورِ وَيَأْتِي ذلك في آخِرِ بَابِ الشَّهَادَةِ على الشَّهَادَةِ. الثَّانِيَةُ: يَحْرُمُ التَّعْزِيرُ بِحَلْقِ لِحْيَتِهِ وفي تَسْوِيدِ وَجْهِهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ قُلْت الصَّوَابُ الْجَوَازُ وقد تَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ في تَسْوِيدِ الْوَجْهِ وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ في رِوَايَةِ مُهَنَّا عن تَسْوِيدِ الْوَجْهِ قال مُهَنَّا فَرَأَيْت كَأَنَّهُ كَرِهَ تَسْوِيدَ الْوَجْهِ قَالَهُ في النُّكَتِ في شَهَادَةِ الزُّورِ وَذَكَرَ في الْإِرْشَادِ وَالتَّرْغِيبِ أَنَّ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه حَلَقَ رَأْسَ شَاهِدِ الزُّورِ وَذَكَرَ ابن عقِيلٍ عن أصحابنَا لَا يَرْكَبُ وَلَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ وَلَا يُمَثِّلُ بِهِ ثُمَّ جَوَّزَهُ هو لِمَنْ تَكَرَّرَ منه لِلرَّدْعِ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَدَ فيه عن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه يُضْرَبُ ظَهْرُهُ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَخَّمُ وَجْهُهُ وَيُطَافُ بِهِ وَيُطَالُ حَبْسُهُ وقال في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ له التَّعْزِيرُ بِحَلْقِ شَعْرِهِ لَا لِحْيَتِهِ وَبِصَلْبِهِ حَيًّا وَلَا يُمْنَعُ من أَكْلٍ وَوُضُوءٍ وَيُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ وَلَا يُعِيدُ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال قال وَيُتَوَجَّهُ لَا يُمْنَعُ من صَلَاةٍ قُلْت وهو الصَّوَابُ وقال الْقَاضِي أَيْضًا هل يُجَرَّدُ في التَّعْزِيرِ من ثِيَابِهِ إلَّا ما يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عنه في الْحَدِّ قال وَيَجُوزُ أَنْ يُنَادَى عليه بِذَنْبِهِ إذَا تَكَرَّرَ منه ولم يُقْلِعْ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله في شَاهِدِ الزُّورِ وقال فَنَصَّ أَنَّهُ يُنَادَى عليه بِذَنْبِهِ وَيُطَافُ بِهِ وَيُضْرَبُ مع ذلك قال في الْفُصُولِ يُعَزَّرُ بِقَدْرِ رُتْبَةِ الْمَرْمِيِّ فإن الْمَعْيَرَةَ تَلْحَقُ بِقَدْرِ مَرْتَبَتِهِ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ يُعَزِّرُهُ بِمَا يَرْدَعُهُ كَعَزْلِ مُتَوَلٍّ وقال لَا يَتَقَدَّرُ لَكِنَّ ما فيه مُقَدَّرٌ لَا يَبْلُغُهُ فَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةٍ دُونَ نِصَابٍ وَلَا يُحَدُّ حَدَّ الشُّرْبِ بِمَضْمَضَةِ خَمْرٍ وَنَحْوِهِ وقال هو رِوَايَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاخْتِيَارُ طَائِفَةٍ من أصحابهِ وقد يُقَالُ بِقَتْلِهِ لِلْحَاجَةِ وقال يُقْتَلُ مُبْتَدِعٌ دَاعِيَةٌ وَذَكَرَهُ وَجْهًا وِفَاقًا لِمَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَنَقَلَهُ إبْرَاهِيمُ بن سَعِيدٍ الْأُطْرُوشُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ في الدُّعَاةِ من الْجَهْمِيَّةِ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ في الْخَلْوَةِ بِأَجْنَبِيَّةٍ وَاِتِّخَاذِ الطَّوَافِ بِالصَّخْرَةِ دِينًا وفي قَوْلِ الشَّيْخِ اُنْذُرُوا لي وَاسْتَعِينُوا بِي إنْ أَصَرَّ ولم يَتُبْ قُتِلَ وَكَذَا من تَكَرَّرَ شُرْبُهُ لِلْخَمْرِ ما لم يَنْتَهِ بِدُونِهِ للإخبار فيه وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ في الْمُبْتَدِعِ الدَّاعِيَةِ يُحْبَسُ حتى يَكُفَّ عنها وقال في الرِّعَايَةِ من عُرِفَ بِأَذَى الناس وَمَالِهِمْ حتى بِعَيْنِهِ ولم يَكُفَّ حُبِسَ حتى يَمُوتَ وقال في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ لِلْوَالِي فِعْلُهُ لَا لِلْقَاضِي وَنَفَقَتُهُ من بَيْتِ الْمَالِ لِدَفْعِ ضَرَرِهِ وقال في التَّرْغِيبِ لِلْإِمَامِ حَبْسُ الْعَائِنِ وَتَقَدَّمَ في أَوَائِلِ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ إذَا قَتَلَ الْعَائِنُ مَاذَا يَجِبُ عليه قال في الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ إنْ كَثُرَ مجزومون [مجذومون] وَنَحْوُهُمْ لَزِمَهُمْ التَّنَحِّي نَاحِيَةً وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يَلْزَمُهُمْ فَلِلْإِمَامِ فِعْلُهُ وَجَوَّزَ ابن عقِيلٍ قَتْلَ مُسْلِمٍ جَاسُوسٍ لِلْكُفَّارِ وزاد ابن الجوزي إنْ خِيفَ دَوَامُهُ وَتَوَقَّفَ فيه الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ وقال ابن الْجَوْزِيِّ في كَشْفِ الْمُشْكِلِ دَلَّ حَدِيثُ حَاطِبِ بن أبي بَلْتَعَةَ رضي اللَّهُ عنه على أَنَّ الْجَاسُوسَ الْمُسْلِمَ لَا يُقْتَلُ وَرَدَّهُ في الْفُرُوعِ وهو كما قال وَعِنْدَ الْقَاضِي يُعَنَّفُ ذُو الْهَيْئَةِ وَغَيْرُهُ يُعَزَّرُ وقال الْأصحاب وَلَا يَجُوزُ قَطْعُ شَيْءٍ منه وَلَا جَرْحُهُ وَلَا أَخْذُ شَيْءٍ من مَالِهِ قال في الْفُرُوعِ فَيُتَوَجَّهُ أَنَّ إتْلَافَهُ أَوْلَى مع أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ لَا يَجُوزُ وَجَوَّزَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ التَّعْزِيرَ بِقَطْعِ الْخُبْزِ وَالْعَزْلِ عن الْوِلَايَاتِ وَنَقَل ابن مَنْصُورٍ لَا نَفْيَ إلَّا لِلزَّانِي وَالْمُخَنَّثِ وقال الْقَاضِي نَفْيُهُ دُونَ سَنَةٍ وَاحْتَجَّ بِهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَبِنَفْيِ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه نَصْرَ بن حَجَّاجٍ وقال في الْفُنُونِ لِلسُّلْطَانِ سُلُوكُ السِّيَاسَةِ وهو الْحَزْمُ عِنْدَنَا وَلَا تَقِفُ السِّيَاسَةُ على ما نَطَقَ بِهِ الشَّرْعُ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَوْلُهُ اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَيْك كَالدُّعَاءِ عليه وَشَتْمِهِ بِغَيْرِ فِرْيَةٍ نَحْوُ يا كَلْبُ فَلَهُ. قَوْلُهُ: له أو تَعْزِيرُهُ وَلَوْ لَعَنَهُ فَهَلْ له أَنْ يَلْعَنَهُ يَنْبَنِي على جَوَازِ لَعْنَةِ الْمُعَيَّنِ وَمَنْ لَعَنَ نَصْرَانِيًّا أُدِّبَ أَدَبًا خَفِيفًا إلَّا أَنْ يَكُونَ قد صَدَرَ من النَّصْرَانِيِّ ما يَقْتَضِي ذلك وقال أَيْضًا وَمَنْ دُعِيَ عليه ظُلْمًا فَلَهُ أَنْ يَدْعُوَ على ظَالِمِهِ بِمِثْلِ ما دَعَا بِهِ عليه نَحْوُ أَخْزَاك اللَّهُ أو لَعَنَك اللَّهُ أو يَشْتُمُهُ بِغَيْرِ فِرْيَةٍ نَحْوُ يا كَلْبُ يا خِنْزِيرُ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ له مِثْلَ ذلك وقال الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ الدُّعَاءُ قِصَاصٌ وَمَنْ دَعَا على ظَالِمِهِ فما صَبَرَ انتهى. قَوْلُهُ: وَمَنْ اسْتَمْنَى بيده لِغَيْرِ حَاجَةٍ عُزِّرَ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأصحاب لِفِعْلِهِ مُحَرَّمًا وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ نَقَل ابن مَنْصُورٍ لَا يُعْجِبُنِي بِلَا ضَرُورَةٍ. قَوْلُهُ: وَإِنْ فَعَلَهُ خَوْفًا من الزنى فَلَا شَيْءَ عليه هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأصحاب لِإِبَاحَتِهِ إذَنْ قال في الْوَجِيزِ وَإِنْ فَعَلَهُ خَوْفًا من الزنى ولم يَجِدْ طَوْلًا لِحُرَّةٍ وَلَا ثَمَنَ أَمَةٍ فَلَا شَيْءَ عليه وَجَزَمَ بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ عليه في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وَتَذْكِرَةِ ابن عبْدُوسٍ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ قُلْت لو قِيلَ بِوُجُوبِهِ في هذه الْحَالَةِ لَكَانَ له وَجْهٌ كَالْمُضْطَرِّ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَخَفُّ ثُمَّ وَجَدْت بن نَصْرِ اللَّهِ في حَوَاشِي الْفُرُوعِ ذَكَرَ ذلك وَعَنْهُ يُكْرَهُ وَعَنْهُ يَحْرُمُ وَلَوْ خَافَ الزنى ذَكَرَهَا في الْفُنُونِ وَأَنَّ حَنْبَلِيًّا نَصَرَهَا لِأَنَّ الْفَرْجَ مع إبَاحَتِهِ بِالْعَقْدِ لم يُبَحْ بِالضَّرُورَةِ فَهُنَا أَوْلَى وقد جَعَلَ الشَّارِعُ الصَّوْمَ بَدَلًا من النِّكَاحِ وَالِاحْتِلَامُ مُزِيلٌ لِشِدَّةِ الشَّبَقِ مُفْتِرٌ لِلشَّهْوَةِ
فائدتان: إحْدَاهُمَا: لَا يُبَاحُ الِاسْتِمْنَاءُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَلَا يُبَاحُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ فإذا حَصَلَتْ الضَّرُورَةُ قُدِّمَ نِكَاحُ الْإِمَاءِ وَلَا يَحِلُّ الِاسْتِمْنَاءُ كما قَطَعَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَنَصَّ عليه الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدَّمَهُ في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَ بَعْدَ الْمِائَةِ وقال ابن عَقِيلٍ في مُفْرَدَاتِهِ الِاسْتِمْنَاءُ أَحَبُّ إلَيَّ من نِكَاحِ الْأَمَةِ قال في الْقَاعِدَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ وهو كما قال. الثَّانِيَةُ: حُكْمُ الْمَرْأَةِ في ذلك حُكْمُ الرَّجُلِ فَتَسْتَعْمِلُ شيئا مِثْلَ الذَّكَرِ عِنْدَ الْخَوْفِ من الزنى وَهَذَا الصَّحِيحُ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال ابن عَقِيلٍ وَيَحْتَمِلُ الْمَنْعَ وَعَدَمَ الْقِيَاسِ وقال الْقَاضِي في ضِمْنِ الْمَسْأَلَةِ لَمَّا ذَكَرَ الْمَرْأَةَ قال بَعْضُ أصحابنَا لَا بَأْسَ بِهِ إذَا قَصَدَتْ بِهِ إطْفَاءَ الشَّهْوَةِ وَالتَّعَفُّفَ عن الزنى قال وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُبَاحُ.
|